5127 - ( وعنه ) أي : عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتدرون ) أي : ( أتعلمون ما المفلس ؟ ) كذا في صحيح مسلم وجامع nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وكتاب الحميدي وجامع الأصول وشرح السنة ، فعلى هذا السؤال عن وصف المفلس لا عن حقيقته ، ومن ثم أجاب صلى الله عليه وسلم بوصفه في قوله : شتم وأكل وقذف ، وفي مشارق الأنوار في بعض نسخ المصابيح في المفلس ، وهذا سؤال إرشاد لا استعلام ، ولذلك قال : إن المفلس كذا وكذا . قلت : الظاهر أن المراد بقوله ما المفلس من المفلس ، بدليل ما بعده في جواب الصحابة ، وفي كلامه - صلى الله عليه وسلم - أيضا من التعبير بمن ( قالوا ) أي : بعض أصحابه ( المفلس فينا ) أي : فيما بيننا ( من لا درهم ) أي : من نقد ( له ) : [ ص: 3202 ] أي : ملكا ( ولا متاع ) أي : مما يحصل به النقد ويتمتع به من الأقمشة والعقاد والجواهر والمواشي والعبيد وأمثال ذلك ، والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم فينا وغفلوا عن أمر الآخرة كان حقهم أن يقولوا : الله ورسوله أعلم لأن المعنى الذي ذكروه كان واضحا عنده - صلى الله عليه وسلم - فلما أجابوه بما أجابوه . ( فقال : إن المفلس ) أي : الحقيقي أو المفلس في الآخرة ( من أمتي ) أي : كل : أمة الإجابة ولو كان غنيا في الدنيا بالدرهم والمتاع ( من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة ) أي : مقبولات والباء للتعدية أي : مصحوبا بها ( ويأتي ) أي : ويحضر أيضا حال كونه ( قد شتم هذا ) أي : وقع له شتم لأحد ( وقذف هذا ) أي : بالزنا ونحوه ( وأكل مال هذا ) أي : بالباطل ( وسفك ) أي : أراق ( دم هذا ) أي : بغير حق ( وضرب هذا ) أي : من غير استحقاق أو زيادة على ما يستحقه ، والمعنى من جمع بين تلك العبادات وهذه السيئات ، ولا يبعد أن تكون الواو بمعنى " أو " ولكن لفظ المفلس يلائم كثرة المعاصي الموجبة لإفلاسه والله أعلم . ( فيعطى ) : بصيغة المجهول ( هذا ) أي : المظلوم ( من حسناته ) أي : بعض حسنات الظالم ( وهذا ) أي : ويعطي المظلوم الآخر ( من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ) : بصيغة المفعول أي : يؤدي ( ما عليه ) أي : من الحقوق ( أخذ من خطاياهم ) أي : من سيئات أصحاب الحقوق ( فطرحت عليه ) : أو وضعت على الظالم ( ثم طرح ) أي : ألقي ورمي ( في النار ) : وفيه إشعار بأنه لا عفو ولا شفاعة في حقوق العباد إلا أن يشاء الله يرضى خصمه بما أراد . قال النووي : يعني حقيقة المفلس هذا الذي ذكرت ، وأما من ليس له مال ومن قل ماله ، فالناس يسمونه مفلسا ، وليس هذا حقيقة المفلس ، لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما انقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته بخلاف ذلك المفلس ، فإنه يهلك من الهلاك التام . قال المازري : زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى وهو باطل وجهالة بينة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره ، فتوجهت عليه حقوق لغرمائه ، فدفعت إليهم من حسناته ، فلما فرغت حسناته أخذ من سيئات خصومه ، فوضعت عليه ، فحقيقة العقوبة مسببة عن ظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه .
قلت : وهذا من ضرورة قضية العدل الثابت له تعالى بالنقل والعقل ، فإن الظالم إذا أكثر من الحسنات وثقلت موازينه منها وغلبت على سيئاته ، فإن أدخل الجنة يبقى حق المظلوم ضائعا ، وإن أدخل النار ينافي قوله تعالى : فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون وسيأتي أن حقوق العباد مما لا يترك الله تعالى ، فلا بد من أن الأمرين إما أخذ الحسنات وإما وضع السيئات حتى يتحقق خفة ميزان عمله ، فيدخل النار فيعذب بقدر استحقاقه ، ثم يخرج ويدخل الجنة بسبب الحسنات الباقية إن كانت هناك ، وإلا ببركة الإيمان ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وهذا من البراهين الواضحة المؤيدة بالشواهد والأدلة اللائحة . ( رواه مسلم ) .