5163 - ( وعن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالله لا الفقر ) : بالنصب مفعول مقدم للاهتمام على عامله وهو قوله : ( وأخشى عليكم ) والمعنى : ما أخشى عليكم الفقر لأن الغالب عليه السلامة وأنه أنفع لكم ، ولذا قيل : إن من العصمة أن لا تقدر وإن كان كاد الفقر أن يكون كفرا ( ولكن أخشى عليكم أن تبسط ) أي : توسع ( عليكم الدنيا ) أي : فتعملوا معاملة الأغنياء الأغنياء فتهلكوا بأنواع البلاء . ( كما بسطت على من كان قبلكم ) أي : فهلكوا بسبب عدم ترحمهم على الفقراء لأجل كمال الميل إلى المال ( فتنافسوها ) : بحذف إحدى التاءين عطف على تبسط ، من نافست في الشيء أي : رغبت فيه ، وتحقيقه أن المنافسة والتنافس ميل النفس إلى الشيء النفيس ، ولذا قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون والمعنى فتختاروها أنتم وترغبوا فيها غاية الرغبة ( كما تنافسوها ) : بصيغة الماضي أي : كما رغب فيها من قبلكم ( وتهلككم ) أي : الدنيا ( كما أهلكتهم ) .
قال الطيبي رحمه الله : فإن قلت : ما الفائدة في تقدم المفعول في القرينة الأولى دون الثانية ؟ قلت : فائدته الاهتمام بشأن الفقر لأن الأب المشفق إذا احتضر إنما يكون اهتمامه بشأن الولد وضياعه وإعدامه المال ، كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " حالي معكم خلاف حال الوالد فإني لا أخشى الفقر كما يخشاه الوالد ولكن خوفي من الغنى الذي هو مطلوب الوالد للولد " ثم التعريف في الفقر إما أن يكون للعهد ، فهو الفقر الذي كانت الصحابة عليه من الإعدام والقلة ، والبسط هو ما بسط الله عليهم من فتح البلاد ، وإما للجنس وهو الفقر الذي يعرفه كل أحد ما هو ، والبسط الذي يعرفه كل أحد ، ونظيره ما فسر به قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا اهـ . والظاهر أن المراد بالفقر ما لم يكن عنده جميع ما يحتاج إليه من ضروريات الدين والبدن ، وبالغنى الزيادة على مقدار الكفاية الموجبة للطغيان ، وشغل الإنسان عن عبادة الرحمن ، فالمعنى كما قال الطيبي رحمه الله : ترغبون فيها فتشتغلون بجمعها ، وتحرصون على إمساكها ، فتطغون بها فتهلكون بها . قال تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ويحتمل أن يكون هلاكهم من أجل أن المال مرغوب فيه فيطمع الناس ويتوقعون منه فمنعه منهم فتقع العداوة بينهم " فيفضي ذلك إلى الهلاك اهـ . وهذا الاحتمال بعيد عن أن يكون المراد الحديث بل محال بلا مجال . ( متفق عليه )