صفحة جزء
5181 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " رواه الترمذي ، والدارمي .


5181 - ( وعن كعب بن مالك ) : أنصاري خزرجي شهد العقبة الثانية ( عن أبيه ) : هكذا في النسخ الحاضرة جميعها وهو سهو قلم وخطأ قدم ، ولذا قال ميرك : صوابه عن ابن كعب بن مالك عن أبيه ، أو عن كعب بن مالك بدون عن أبيه ، وقال السيد جمال الدين : هكذا وقع في أكثر نسخ المشكاة التي رأيناها ، وكذلك وجدناه في غير واحد من نسخ المصابيح وهو سهو ، والظاهر أنه كان واقعا من كتاب المصابيح ، ووقع من صاحب المشكاة تقليدا ، وصوابه : عن ابن كعب ابن مالك عن أبيه ، كما في أصل الترمذي ، والابن المذكور هو عبد الله ، كما هو مصرح في جامع الأصول . ( قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " ما " ) : نافية ( " ذئبان " ) : بهمزة ساكنة ويبدل ( " جائعان " ) : أتى به للمبالغة ( " أرسلا " ) أي : خليا وتركا ( " في غنم " ) أي : في قطعة غنم ( " بأفسد " ) : الباء زائدة أي : أكثر إفسادا ( " لها " ) أي : لتلك الغنم ، والتأنيث باعتبار الجنس أو القطعة ( " من حرص المرء " ) : المشبه بالذئبين لتعلقه بالشيئين ظاهرا وباطنا وهما قوله : ( " على المال " ) أي : الكثير ( " والشرف " ) أي : الجاه الوسيع ، وقوله : ( " لدينه " ) متعلق بأفسد ، والمعنى أن حرص المرء عليهما أكثر فسادا لدينه المشبه بالغنم لضعفه بجنب حرصه من إفساد الذئبين للغنم .

قال الطيبي رحمه الله تعالى : " ما " بمعنى ليس ، وذئبان اسمها ، وجائعان صفة له ، وأرسلا في غنم الجملة في محل الرفع على أنها صفة بعد صفة ، وقوله : بأفسد خبر لما والباء زائدة وهو أفعل تفضيل أي : بأشد إفسادا ، والضمير في لها للغنم واعتبر فيها الجنسية ، فلذا أنث . وقوله : من حرص المرء هو المفضل عليه لاسم التفضيل ، وقوله : على المال والشرف يتعلق بالحرص ، والمراد به الجاه . وقوله ( لدينه ) اللام فيه بيان كما في قوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة كأنه قيل : بأفسد لأي شيء ؟ قيل : لدينه ، ومعناه ليس ذئبان جائعان أرسلا في جماعة من جنس الغنم بأشد إفسادا لتلك الغنم من حرص المرء على المال والجاه ، فإن إفساده لدين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين لجماعة من الغنم إذا أرسلا فيها ، أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ، ويجر إلى التنعيم في المباحات ، فيصير التنعم مألوفا ، وربما يشتد أنسه بالمال ، ويعجز عن كسب الحلال ، فيقتحم في الشبهات مع أنها ملهية عن ذكر الله تعالى ، وهذه لا ينفك عنها أحد ، وأما الجاه فكفى به إفسادا أن المال يبذل للجاه ، ولا يبذل الجاه للمال وهو الشرك الخفي ، فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق ، وسائر الأخلاق الذميمة ، فهو أفسد وأفسد اه .

وقد قالت السادة الصوفية رحمهم الله : إن آخر ما خرج من رأس الصديقين محبة الجاه ، فإن الجاه ولو كان في الأمور العلمية والعملية والمشيخة والحالات الكشفية ، فمن حيث النظر إلى المخلوق والغفلة والغيرة الربوبية أو الرؤية الاثنينية بعد ظهور أنوار الأحدية يحجب السالك عن الخلوة في الجلوة بوصف البقاء بالله ، والفناء عما سواه ، هذا وقد روى صاحب الكشاف في ربيع الأبرار عن ابن مسعود رضي الله عنه : يكون الرجل مرائيا في حياته وبعد موته . قيل : كيف ذاك ؟ قال : يحب أن يكثر الناس في جنازته . ( رواه الترمذي ، والدارمي ) : لعل لفظ الحديث للترمذي ، وإلا فحق الترتيب أن يقدم الدارمي ، فإنه روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي وغيره ، هذا وفي الجامع : رواه أحمد ، والترمذي عن كعب بن مالك من غير ذكر ، عن أبيه .

[ ص: 3244 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية