صفحة جزء
الفصل الثاني

5243 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم " . رواه الترمذي .


الفصل الثاني

5243 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يدخل الفقراء " ) أي : الصابرون وقيل ولو كانوا شاكين ( " الجنة قبل الأغنياء " ) أي : الشاكرين ( " بخمسمائة عام " ) أي : سنة ( " نصف يوم " ) : بالجر على أنه صفة فارقة أو بدل أو عطف بيان عن خمسمائة عام ، فإن اليوم الأخروي مقدار طوله ألف سنة من سنين الدنيا لقوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون فنصفه خمسمائة . وأما قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فمخصوص من عموم ما سبق ، أو محمول على تطويل ذلك اليوم على الكفار كما يطوى حتى يصير كساعة بالنسبة إلى الأبرار كما يدل عليه قوله تعالى : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير قال الأشرف ، فإن قلت : كيف التوفيق بين هذا الحديث والحديث السابق من قوله بأربعين خريفا ؟ قلت : يمكن أن يكون المراد من الأغنياء في الحديث الأول أغنياء المهاجرين أي : يسبق فقراء المهاجرين إلى الجنة بأربعين خريفا ، ومن الأغنياء في الحديث الثاني : الأغنياء الذين ليسوا من المهاجرين ، فلا تناقض بين الحديثين انتهى . وفيه أن هذا إنما يتم إذا أريد بالفقراء الخاص وبالأغنياء العام ، فلا يفهم حكم الفقراء من غير المهاجرين ، فالأولى حمل الحديث على معنى يفهم الحكم عموما وهو بأن يقال : المراد بكل من العددين إنما هو التكثير لا التحديد ، فتارة عبر به وأخرى بغيره تفننا ومآلهما واحد أو أخبر أولا بأربعين كما أوحي إليه ، ثم أخبر ثانيا بخمسمائة عام زيادة على فضله على الفقراء ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم ، أو التقدير أربعين خريفا إشارة إلى أقل المراتب وبخمسمائة عام إلى أكثرها ، ويدل عليه ما في الطبراني عن مسلمة بن مخلد ولفظه : سبق المهاجرون الناس بأربعين خريفا إلى الجنة ، ثم يكون الزمرة الثانية مائة خريف انتهى . فالمعنى أن يكون الزمرة الثالثة مائتين وهلم جرا ، وكأنهم محصرون في خمس زمر والله تعالى أعلم . أو الاختلاف باختلاف مراتب أشخاص الفقراء في حال صبرهم ورضاهم وشكرهم ، وهو الأظهر المطابق لما في جامع الأصول حيث قال : وجه الجمع بينهما أن الأربعين أراد بها تقدم الفقير الحريص على الغني ، وأراد بالخمسمائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب ، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد ، وهذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة ، ولا تظنن أن هذا التقدير وأمثاله يجري على لسان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خرافا ولا باتفاق ، بل لسر أدركه ونسبة أحاط بها علمه ، فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . ( رواه الترمذي ) وقال : حسن صحيح ، ورواه ابن حبان في صحيحه . قال المنذري : ورجاله محتج بهم في الصحيح ، ورواه ابن ماجه بزيادة ، من طريق موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية