كذا في الأصول المعتمدة والنسخ المصححة من غير ترجمة وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو الباء ساكن على الوقف ، وقال ابن الملك : باب في ذكر الإنذار والتحذير ، أي : التخويف والتذكير .
الفصل الأول
5371 - ( عن عياض بن حمار المجاشعي ) بضم الميم ، قال المؤلف : وكان صديقا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قديما ، روى عنه جماعة ، وهو تميمي يعد في البصريين ، ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته ) أي : المعروفة أو في موعظته ( " ألا " ) بالتخفيف للتنبيه ( " إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني " ) : يحتمل أن يكون من بيان " ما " أو تبعيضية على أنه منقطع عما قبله خبر لما بعده مستأنف ، أي : من جملة ما علمني ( " يومي هذا " ) أي : بما أوحى الله إلي في هذا اليوم بخصوصه ( كل مال نحلته ) أي : أعطيته ( عبدا ) أي : من عبادي وملكته إياه ، فلا يدخل الحرام ( حلال ) أي : فلا يستطيع أحد أن يحرمه من تلقاء نفسه ، ويمنعه من التصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم ، وهذا من مقول الله كما يدل عليه قوله : ( وإني خلقت عبادي حنفاء ) أي : مستعدين لقبول الحق ومائلين إليه عن الباطل ( كلهم ) أي : جميعهم لقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10360661كل مولود يولد على الفطرة " وهي التوحيد المطلق ، وما به يتعلق لقوله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله أي : لا تبدلوا مخلوقاته باليهودية والنصرانية والمجوسية ونحوها : ذلك الدين القيم أي المستقيم ، فلا تعدلوا عن الجادة إلى الطريق الزائغة ، كما قال تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله أي : عن طريقه الحقيقي الواصل إليه ، المقبول لديه لمن أراد المنة عليه ، ومنه قوله تعالى : وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ، ثم بين سبب ضلالة الخلق وغوايتهم عن الحق بقوله : ( وإنهم ) أي : عبادي الحنفاء ( أتتهم الشياطين ) ، أي جاءوهم بالوسوسة ( فاجتالتهم ) أي : صرفتهم وساقتهم مائلين ( عن دينهم ) من اجتاله أي ساقه وذهب به ، وقيل : الافتعال بها للحمل على الفعل ، كاختطب زيد عمر أي حمله على الخطبة ، فالمعنى : حملتهم الشياطين على جولانهم وميلانهم عن دينهم ( وحرمت ) أي : الشياطين ( عليهم ما أحللت لهم ) أي : من البحيرة والسائبة وغيرهما ، وتوضيحه ما حققه القاضي حيث قال : قوله كل مال نحلته حكاية ما علمه الله تعالى وأوحى إليه في يومه هذا ، والمعنى : ما أعطيت عبدا من مال فهو حلال له ، ليس لأحد أن يحرم عليه ، وليس لقائل أن يقول : هذا يقتضي أن لا يكون الحرام رزقا ، لأن كل رزق ساقه الله تعالى إلى عبده نحله وأعطاه ، وكل ما نحله وأعطاه فهو حلال ، فيكون كل رزق رزقه الله إياه هو حلال ، وذلك يستلزم أن يكون كل ما ليس بحلال ليس برزق ; لأنا نقول : الرزق أعم من الإعطاء ، فإنه يتضمن التمليك ، ولذا قال الفقهاء : لو قال لامرأته : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا بانت ودخل الألف في ملكه ، ولا كذلك الرزق ، ( وأمرتهم ) أي : الشياطين لهم ( أن يشركوا بي ما ) أي : إشراكا أو شيئا ( لم أنزل به ) أي : بوجوده ( سلطانا ) أي : حجة وبرهانا سميت به لتسلطه على القلوب عند هجوم الخواطر عليها بالقهر والغلبة ، والمعنى : ما ليس على إشراكه دليل عقلي ولا نقلي ; إذ لو كان أحدهما لبينه سبحانه وتعالى ، [ ص: 3368 ] بل الأمر بخلافه حيث قال : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه والقرآن مشحون بالأدلة على بطلان الإشراك بالله تعالى ، قال القاضي : هو مفعول يشركوا يريد به الأصنام ، وسائر ما عبد من دون الله ، أي : أمرتهم بالإشراك بالله بعبادة ما لم يأمر الله بعبادته ، ولم ينصب دليلا على استحقاقه للعبادة ، وقال الطيبي - رحمه الله : ما لم أنزل به سلطانا أي : لا إنزال سلطان ولا شريك على أسلوب قوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
أي : لا منار ولا اهتداء به ، وقوله :
ولا يرى الضب بها ينجحر
أي : لا ضب ولا انحجار ، نفيا للأصل والفرع ، أي : القيد والمقيد ، وقيل : هذا على سبيل التهكم ، إذ لا يجوز على الله أن ينزل برهانا أن يشرك به غيره ، ( " وإن الله نظر إلى أهل الأرض " ) أي : رآهم ووجدهم متفقين على الشرك منهمكين في الضلالة ( " فمقتهم " ) أي : أبغضهم ( " عربهم وعجمهم " ) : بدل من الضمير ، والمراد بالعجم غير العرب ، والمعنى أبغضهم بسوء صنيعهم وخبث عقيدتهم واتفاقهم قبل بعثة محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - على الشرك ، وانغماسهم في الكفر ، قوم موسى عليه السلام كفروا بعيسى ، وعبدوا عزيرا ، وذهبوا إلى أنه ابن الله ، وقوم عيسى ذهبوا إلى التثليث ، أو إلى أنه ابن الله وغير ذلك ، ( " إلا بقايا من أهل الكتاب " ) أي : من اليهود والنصارى تبرأوا عن الشرك ، كذا قاله بعضهم ، والأظهر أن المراد بهم جماعة من قوم عيسى بقوا متابعته إلى أن آمنوا بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ، ( " وقال " ) أي الله تعالى : ( إنما بعثتك ) أي : أرسلتك يا محمد ( لأبتليك ) أي : لأمتحنك كيف تصبر على إيذاء قومك إياك ( وأبتلي بك ) أي : قومك هل يؤمنون بك أم يكفرون ( وأنزلت عليك كتابا ) أي : عظيما ، وهو القرآن ( لا يغسله الماء ) ، أي : لم نكتف بإيداعه الكتب فيغسله الماء ، بل جعلناه قرآنا محفوظا في صدور المؤمنين ، قال تعالى : بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وقال سبحانه : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أو المراد بالغسل النسخ ، والماء مثل ، أي : لا ينزل بعده كتاب ينسخه ، ولا نزل قبله كتاب يبطله ، كما قال تعالى : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم .
قال الطيبي - رحمه الله : أي : كتابا محفوظا في القلوب لا يضمحل بغسل القراطيس ، أو كتابا مستمرا متداولا بين الناس ما دامت السماوات والأرض لا ينسخ ولا ينسى بالكلية ، وعبر عن إبطال حكمه ، وترك قراءته ، والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء ، على سبيل الاستعارة ، أو كتابا واضحا آياته ، بينا معجزاته ، لا يبطله جور جائر ، ولا يدحضه شبهة مناظر ، فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة ، وقيل : كني به عن غزارة معناه وكثرة جدواه ، من قولهم : مال فلان لا يفنيه الماء أو النار ، وقوله : ( " تقرؤه " ) أي : أنت ( نائما ويقظان ) بسكون القاف ، والمعنى : يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال ، فلا تغفل عنه نائما ويقظان ، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به هو يفعله بالماء ، كذا ذكره الطيبي رحمه الله ، وخلاصته : أنه في قلبك وأنت نائم ، وأقول : لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه الجليل ، لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وقد شوهد كثير من الناس صغيرا وكبيرا أنهم يقرءون وهم نائمون .
وأغرب من هذا ما حكى بعض المريدين أنه وشيخه كانا يتدارسان وقت السحر في تلاوة القرآن عشرا عشرا ، فلما توفي الشيخ - رحمه الله تعالى - أتاه المريد وقت السحر على عادته عند قبره ، وأراد أن يقرأ ورده ، فلما تم [ ص: 3369 ] العشر سمع من القبر صوت شيخه أنه قرأ عشرا وسكت ، وهكذا كان الأمر مستمرا ، إلى أنه حكى المريد القضية لبعض أصحابه ، فوقع تحت حجابه ونظيره سماع nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب صوت الأذان من الضريح الأنور أيام فتنة يزيد في المدينة المعظمة حيث لم يبق في المسجد أحد إلا سعيدا ، وكانوا يقولون : إنه شيخ مجنون ، ( " وإن الله أمرني أن أحرق " ) أي : أهلك ( " قريشا " ) أي : كفارهم ( " فقلت : رب " ) ! أي : يا رب ( " إذا " ) : بالتنوين ( يثلغوا ) بفتح اللام ، أي : يشدخوا ويكسروا ( " رأسي ، فيدعوه " ) بفتح الدال ، أي : رأسي ( " خبزة " ) أي : فيتركوه بالشدخ بعد الشكل الكروي مصحفا مثل خبزة ( " قال " ) أي : الله لنبيه - صلى الله تعالى عليه وسلم : ( استخرجهم ) أي : قريشا ، والمراد كفارهم ( كما أخرجوك ) أي : كإخراجهم إياك جزاء وفاقا ، وإن كان بين الإخراجين بون بين ، فإن إخراجهم إياه بالباطل ، وإخراجه إياهم بالحق ( واغزهم ) أي : وجاهدهم ، فالواو بمطلق الجمع ، فإن القتال مقدم على الإخراج ( نغزك ) بضم النون من أغزيته إذا جهزته للغزو وهيأت له أسبابه ( وأنفق ) أي : ما في جهدك في سبيل الله ( فسننفق عليك ) أي : نخلف عليك بدله في الدنيا والأخرة ، قال تعالى : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وفيه وعد وتسلية ( وابعث ) أي : أرسل أنت ( جيشا ) أي : كبيرا وصغيرا ( نبعث خمسة ) أي : مقدار خمسة ( مثله ) بالنصب ، والمعنى : نبعث من الملائكة خمسة أمثال تعينهم كما فعل ببدر ، قال تعالى : بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكان المشركون يومئذ ألفا والمسلمون ثلاثمائة ( وقاتل بمن أطاعك ) أي : بمعونته أو معه ( من عصاك ) أي : بعدم الإيمان بك . ( رواه مسلم ) .