صفحة جزء
5439 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث إذ جاء أعرابي فقال : متى الساعة ؟ قال : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قال : كيف إضاعتها ؟ قال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . رواه البخاري .


5439 - ( وعن أبي هريرة ) رضي الله عنه ( قال : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث ) أي : يتكلم في أمر مع أصحابه ( إذ جاء أعرابي فقال : متى الساعة ؟ قال : " إذا ضيعت " ) : بصيغة المفعول من التضييع ، وفي نسخة من الإضاعة ( " الأمانة " ) أي : حين جعلت الأمانة ضائعة بالخيانة ، أو وضعت عند غير أرباب الديانة ( " فانتظر الساعة " ) أي : فإنه من أشراط القيامة . ( قال : كيف إضاعتها ) ؟ هذا يؤيد النسخة أي : كيف تضييع الأمانة ، والأمة قائمون بأمرها ، والعامة معتنون بقدرها ( قال : " إذا وسد " ) : بضم الواو وتشديد السين ، وقد تخفف على ما في المقدمة أي : أسند وفوض ( " الأمر " ) أي : أمر السلطة أو الإمارة أو القضاء أو الحكومة ( " إلى غير أهله " ) أي : ممن لم يوجد فيه شرائط الاستحقاق كالنساء والصبيان ، والجهلة والفسقة ، والبخيل والجبان ، ومن لم يكن قرشيا ولو كان من نسل سلاطين الزمان ، هذا في الخليفة ، وقس على هذا سائر أولي الأمر والشأن وأرباب المناصب من التدريس والفتوى والإمامة والخطابة ، وأمثال ذلك مما يفتخر به الأقران .

قال التوربشتي - رحمه الله : معناه أن يلي الأمر من ليس له بأهل ، فيلقى له وسادة الملك وأراد بالأمر الخلافة ، وما ينضم إليها من قضاء وإمارة ونحوها ، والتوسيد : أخذ من الوساد ، يقال : وسدته الشيء بالتخفيف فتوسده ، إذا جعله تحت رأسه ، ولفظة " إلى " فيها إشكال ، إذ كان من حقه أن يقال : وسد الأمر لغير أهله ، فلعله أتى بها ليدل على إسناد الأمر إليه اهـ .

وفي القاموس : إن إلى تأتي مرادفة للام ، نحو قوله تعالى : والأمر إليك اهـ . ويريد أن المعنى : والأمر لك ، لكن الأظهر أن يقال : الأمر راجع إليك ، والأحسن في الحديث أن يضمن معنى التفويض والإسناد كما أشرنا إليه أولا . ( " فانتظر الساعة " ) : للدلالة على قرب قيامها ، وإنما دل ذلك على دنو الساعة لإفضائه إلى اختلال الأمر ، وعدم تمام النظام ، ووهن أمور الدنيا ، وضعف أحكام الإسلام . وقال الطيبي - رحمه الله : لأن تغير الولاة وفسادهم مستلزم لتغير الرعية ، وقد قيل : الناس على دين ملوكهم . قال القاضي - رحمه الله : أخرج الجوابين مخرج الاستئناف للتأكيد ; ولأن السؤال الأول لما لم يكن مما يمكن أن يجيب عنه بجواب حقيقي يطابقه ، فإن تأقيت الساعة غيب لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، عدل عن الجواب إلى ذكر ما يدل على المسئول عنه دلالة من أماراتها ، وسلك في الجواب الثاني مسلك الأول ; لينتسق الكلام .

قال الطيبي - رحمه الله : كان من حق الظاهر أن يكتفى عن جواب السؤال الأول بقوله : إذا ضيعت الأمانة ، وأن يؤتى في السؤال الثاني بمتى ; ليطابق الجواب ، فزاد في الأول : " فانتظر الساعة " ; لينبه على أن قوله : " إذا ضيعت الأمانة " ليس إبان الساعة ، بل من أماراتها ، فلا تكون إذا شرطية ، وتأويل السؤال الثاني : متى تضيع الأمانة ؟ وكيف حصول التضييع ؟ فقال : إذا وسد الأمر ، فأطنب في الأول لإفادة معنى زائد ، واختصر في الثاني لدلالة الكلام عليه تفننا اهـ . وفيه أنه يوهم أن قوله : فانتظر الساعة غير موجود في الجواب الثاني ، والحال أن الأمر بخلافه ، بل هو موجود في الجوابين ، ولعله سقط من أصل الطيبي رحمه الله ، والله تعالى أعلم . ( رواه البخاري ) ، ولفظ الجامع : وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . رواه البخاري ، عن أبي هريرة .

[ ص: 3430 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية