صفحة جزء
5534 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس على ثلاث طرائق : راغبين ، راهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا " . متفق عليه .


5534 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس ) أي : بعد البعث ( على ثلاث طرائق ) أي : فرق ، وأصناف الركبان على طريقة واحدة من تلك الثلاث ، والبقية تتناول الطريقتين الأخيرتين ، وهما المشاة والذين على وجوههم ، كما سيأتي في الفصل الثاني ، ( راغبين ) أي : في الجنة لما فيها من لقاء ربهم وهو بدل عن ثلاث ، وهو واحد الفرق ، وهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ( راهبين ) أي : من النار ، وهم الذين يخافون ، ولكن ينجون منها وهم الفرقة الثانية ، ففيه تنبيه على أن طاعة الله تعالى على الرجاء أولى من عبادته على الخوف ; ولذا سمي الأولون الطيارين ، والآخرون السيارين ، وتحقيقه في كتب التصوف ، ويعرفه أهل التعرف . وجملة الكلام أن المراد بالراغبين من غلب عليهم الرجاء ، وبالراهبين من غلب عليهم الخوف ، قال تعالى : يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وإنما قدم الخوف في الآية ; لأنه أنسب بعموم العامة لا سيما في البداية ، ( واثنان على بعير ) أي : اعتقابا أو اجتماعا وهو الأظهر ( وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشر على بعير ) : فعلى مقدار مراتبهم يستريحون على مراكبهم ، والباقون يمشون على أقدامهم على قدر أقدامهم . قال ابن الملك : قوله : واثنان على بعير الواو فيه للحال ، وصفة المبتدأ محذوف أي اثنان منهم ، وكذا الحكم فيما بعده ، وهذه الأعداد تفصيل لمراتبهم على سبيل الكناية والتمثيل ، فمن كان أعلى مراتبه كان أقل شركة وأشد سرعة وأكثر سباقا .

فإن قلت : كون الاثنين وإخواته على البعير بطريق الاجتماع أم الاعتقاب ؟ قلنا : قال شارح : السنة بطريق الاعتقاب ، لكن الأولى أن يحمل على الاجتماع ; إذ في الاعتقاب لا يكون الاثنان والثلاثة على بعير حقيقة ، وإنما اقتصر على ذكر العشر إشارة إلى أنه غاية عدد الراكبين على ذلك البعير المحتمل للعشرة من بدائع فطرة الله تعالى ، كناقة صالح ; حيث قوى ما لا يقوى من البعران وإنما لم يذكر الخمسة والستة وغيرهما إلى العشرة للإيجاز .

[ ص: 3513 ] ( وتحشر بقيتهم ) أي : تجمعهم ( النار تقيل ) : بفتح أوله من القيلولة وفاعله النار ، والمراد أنها تكون ( معهم ) : في النهار ( حيث قالوا ) أي : كانوا أو استراحوا ( وتبيت ) : أي النار ( معهم حيث باتوا ) أي : كانوا في الليل ( وتصبح معهم حيث أصبحوا ) أي : دخلوا في الصباح ( وتمسي معهم حيث أمسوا ) : والمقصود أن النار تلزمهم بحيث لا تفارقهم أبدا . هذا مجمل الكلام في تحصيل المرام .

وأما تفصيله ، فقال الخطابي : الحشر المذكور في هذا الحديث إنما يكون قبل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام ، وأما الحشر بعد البعث من القبور ، فإنه على خلاف هذه الصورة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها ، وإنما هو على ما ورد في الحديث : إنهم يبعثون حفاة عراة ، وفسر ثلاثة على بعير وأربعة على بعير ، على أنهم يعتقبون البعير الواحد يركب بعضهم ويمشي بعضهم .

قال التوربشتي - رحمه الله : قول من يحمل الحشر على الحشر الذي هو بعد البعث في القبور أشد وأقوى ، وأشبه بسياق الحديث من وجوه ، أحدها : أن الحشر على الإطلاق في متعارف الشرع لا يراد منه إلا الحشر الذي بعد قيام الساعة ، إلا أن يخص بنوع من الدليل ، ولم نجد هاهنا ، والآخر : أن التقسيم الذي ذكر في هذا الحديث لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام ; لأن المهاجر إليها لا بد وأن يكون راغبا راهبا ، أو راهبا ، فأما أن يكون راغبا وراهبا ، وتكون هذه طريقة واحدة لا ثاني لها من جنسها فلا . والثالث : أن حشر النار يقيد الطائفتين على ما ذكره في الحديث إلى أرض الشام ، والتزامها لهم حتى لا تفارقهم في مقيل ولا مبيت ، ولا صباح ولا مساء ، قول لم يرد به التوقيف ، ولم يكن لنا أن نقول بتسليط النار على أولي الشقاوة في هذه الدار من غير توقيف . والرابع : وهو أقوى الدلائل وأوثقها ما روي عن أبي هريرة ، وهو في الحسان من هذا الباب : يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف الحديث . وأما ما ذكره من بعث الناس حفاة عراة ، فلا تضاد بين القضيتين ; لأن إحداها حالة البعث من النشر ، وأخرى حالة السوق إلى المحشر ، ونرى التقسيم الذي جاء به الحديث التقسيم الذي جاء به التنزيل ، قال الله تعالى : إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة الآيات ، فقوله راغبين راهبين يريد به عوام المؤمنين ، وهم ذوو الهنات الذين يترددون بين الخوف والرجاء بعد زوال التكليف ، فتارة يرجون رحمة الله لإيمانهم ، وتارة يخافون عذابه لما اجترحوا من السيئات ، وهم أصحاب الميمنة في كتاب الله على ما في الحديث الذي رواه أيضا أبو هريرة ، وهو في الحسان من هذا الباب ، وقوله : واثنان على بعير ، فالمراد منه أولو السابقة من أفاضل المؤمنين ، وهم السابقون ، وقوله : ويحشر بقيتهم النار ، يريد أصحاب المشأمة . فهذه ثلاث طرائق ، فإن قيل : فلم لم يذكر من السابقين من يتفرد بفرد مركب لا يشاركه فيه أحد ، قلنا لأنه عرف أن ذلك مجعول لمن فوقهم في المرتبة من أنبياء الله ليقع الامتياز بين النبيين والصديقين في المراكب كما وقع في المراتب اهـ . وعارضه الطيبي - رحمه الله - بما لا طائل تحته فحذفنا بحثه . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية