5578 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=hadith&LINKID=10366749أن ناسا قالوا : يا رسول الله ! هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : نعم ) أي : ترون ربنا . ذكر السيوطي - رحمه الله - في بعض تعاليقه أن رؤية الله تعالى يوم القيامة في الموقف حاصلة لكل أحد من الرجال والنساء ، حتى قيل للمنافقين والكافرين أيضا ، ثم يحجبون بعد ذلك ; ليكون عليهم حسرة ، وأقول : وفيه بحث ; لقوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ; ولقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - على ما سيأتي : ( حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله أتاهم رب العالمين ) ; ولأن لذة النظر ولو مرة تنسي كل محنة وشدة ، بل يرتفع به كل حسرة ; إذ من المعلوم أن النظر لا يوجد دائما لأهل الجنة أيضا . قال : وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة على أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ، ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة ، وفي نساء هذه الأمة ثلاث مذاهب : لا يرين ، ويرين ، ويرين في مثل أيام الأعياد دون غيرها ، وفي الملائكة قولان : لا يرون ربهم ، ويرونه . وفي الجن أيضا خلاف . ( هل تضارون ) : بضم التاء وفتحها مع تشديد الراء وتخفيفها .
قال شيخنا المرحوم مولانا عبد الله السندي : ففيه أربعة أوجه ، لكن فيه نظر ; لأن ضم التاء مع التشديد ظاهر ; لأنه من باب المفاعلة ، مع احتمال بنائه للفاعل أو المفعول ، وكذلك فتح التاء مع التشديد ; فإنه من باب التفاعل على حذف إحدى التائين ، وهو يتعين أن يكون بصيغة الفاعل ، وأما ضم التاء مع تخفيف الراء فمبني على أنه للمجهول ، من ضاره يضيره أو يضوره على ما في القاموس بمعنى صرف ، وأما فتح التاء مع الراء المخففة ، فلا وجه له بحسب القواعد العربية ، والمعنى : هل تتدافعون وتتزاحمون ليحصل لكم ضرر ( في رؤية الشمس بالظهيرة ) أي : وقت انتصاف النهار ( صحوا ) أي : حين لا سحاب ولا غبار ، من أصحت السماء إذا خلت من الغيم ، كذا ذكره شارح ، وفي القاموس : الصحو ذهاب الغيم ، فقوله : ( ليس معها سحاب ) ؟ تأكيد ، والمراد بالسحاب الحجاب ، أعم من أن يكون من جانب الرائي ، أو من جانب المرئي ، ثم أكد ثالثا وأظهر مثالا آخر بقوله : ( وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها ) أي : في السماء بقرينة المقام وإن لم يجر لها ذكر ، أو في جهة رؤية القمر من السماء ( سحاب ) ؟ أي مانع وحجاب ( قالوا : لا يا رسول الله ! قال : ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة ) : أريد
[ ص: 3549 ] به الموقف وما بعده من دخول الجنة ( إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ) ، وفيه مبالغة وتعليق بالمحال ، أي : لو كان في رؤية أحدهما مضارة لكان في رؤيته مضارة ، والتشبيه إنما هو لمجرد الظهور ، وتحقق الرؤية مع التنزه عن صفات الحدوث من نحو المقابلة والجهة ، ولعل ذكر الشمس والقمر للإشعار بأن رؤية الله حاصلة للمؤمنين في الليل والنهار ، على غاية من الظهور ونهاية من الأنوار ، وإيماء إلى تفاوت التجلي الرباني بالنسبة إلى الأبرار ، ( إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ) أي : نادى مناد ( ليتبع ) : بتشديد التاء المفتوحة وكسر الموحدة ، وفي نسخة بالسكون والفتح ، أي : ليعقب ( كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام ) : بيان غير الله ( والأنصاب ) : جمع نصب بفتح النون وضمها وسكون الصاد ويضمان ، وهي حجارة كانت تنصب وتعبد من دون الله تعالى ، ويذبحون عليها تقربا إلى آلهتهم ، وكل ما نصب واعتقد تعظيمه من الحجر والشجر فهو النصب ، ( إلا يتساقطون في النار ) ; لأن الأنصاب والأصنام ملقاة فيها ( حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله ) أي : وحده ( من بر ) أي : مطيع صالح ( وعاص ) أي : فاجر فاسق ( أتاهم رب العالمين ) أي : أتاهم أمره ، كما أشار إليه بقوله : ( قال ) أي : الرب ( فماذا تنظرون ) ؟ أي : تنتظرون ، ويجوز أن يعبر بالإتيان عن التجليات الإلهية ، والتعريفات الربانية ، بل قيل : هو القول الحق ، وهو بالاعتبار أولى وأحق ، وقيل : الإتيان هنا عبارة عن رؤيتهم إياه ; لأن من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته إلا بعد الإتيان ، فعبر بالإتيان عن الرؤية مجازا ، وقيل : الإتيان فعل من أفعال الله سبحانه سماه إتيانا ، وقيل : المراد إتيان بعض الملائكة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض - رحمه الله : وهذا الوجه أشبه عندي بالحديث ، أو يكون معناه : يأتيهم الله في صورة الملائكة مخلوقاته التي لا تشبه صفات الإله ليختبرهم ، فإذا قال لهم الملك ، أو هذه الصورة : أنا ربكم ، ورأوا عليه من علامة المخلوق ينكرونه ، ويعلمون أنه ليس ربهم ، فيستعيذون بالله منه ، وقيل : الرؤية حقيقة غير أنا لا نكيف ذلك ، وقيل : كنه معرفتها إلى علم الله تعالى . وقال التوربشتي - رحمه الله : إتيان الله في الكتاب مفسر بإتيان أمره ، وإتيان بأسه ، ولفظ التنزيل محتمل لكلا القولين ، فأما هذا الحديث فإنه يئول على إتيان أمره ، وهو قوله : فماذا تنظرون ؟ ومن السلف من تنزه عن تأويله خشية الخطأ ، مع تمسكه بعروة الوثقى ، وهي تنزيه الله تعالى عن الاتصاف بما تتحدث به النفوس من أوصاف الخالق .
قال الشيخ الإمام أبو الفتوح العجلي في كتاب الأقاويل المشهورة : قال البيهقي : قد تكلم الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي - رحمه الله - في تفسير هذا الحديث وتأويله بما فيه الكفاية . قال : إن هذا موضع يحتاج الكلام فيه إلى تأويل وتخرج ، وليس ذلك من أجل أنا ننكر رؤية الله سبحانه وتعالى ، بل نثبتها ، ولا من أجل أنا ندفع ما جاء في الكتاب والسنة من ذكر المجيء والإتيان ، غير أنا لا نكيف ذلك ، ولا نجعله حركة وانتقالا كمجيء الأشخاص وإتيانها ، فإن ذلك من نعوت الحادث ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ويجب أن يعلم أن الرؤية التي هي ثواب الأولياء وكرامة لهم في الجنة ، غير هذه الرؤية المذكورة في مقامهم ، واحتج بحديث صهيب في الرؤية يعني كما سيجيء في باب رؤية الله تعالى ، وإنما تعرضهم لهذه الرؤية امتحان من الله تعالى لهم ، فيقع بها التمييز بين من عبد الله تعالى وبين من عبد الطواغيت ; ليتبع كل من الفريقين معبوده ، وليس ننكر أن يكون الامتحان إذ ذاك بعد قائما ، وحكمه على الخلق جاريا حتى يفرغ من الحساب ، ويقع الجزاء بما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، ثم ينقطع إذا حقت واستقرت الحقائق أمر العباد قرارها ، ألا ترى إلى قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، وجاء في الحديث : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10366750إن المؤمنين يسجدون ويصير ظهور المنافقين طبقا واحدا ) . قال : ويخرج معنى إتيان
[ ص: 3550 ] الله في هذا إياهم أنه يشهدهم رؤيته ليتيقنوه ; فيكون معرفتهم له في الآخرة عيانا كما كان اعترافهم بربوبيته في الدنيا علما واستدلالا ، ويكون طريق الرؤية بعد أن لم يكن بمنزلة إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شاهدوه ، ثم قوله : فماذا تنظرون ؟ أي : قلنا لكم ليتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فبعضكم اتبع ما عبده ، فلم أنتم أيضا لا تتبعونه ؟ وهذا معنى قوله : ( يتبع كل أمة ما كانت تعبد ) ، فإن لفظه خبر ومعناه أمر ( قالوا : يا ربنا فارقنا الناس ) أي : الذين عبدوا غير الله ، فضلا عن أن نعبد ما سواه في الدنيا ، والمعنى : ما اتبعناها ما دمنا في الدنيا ( أفقر ما كنا إليهم ) : بالنصب على الظرفية ، أي : في أفقر أكواننا إلى الناس ( ولم نصاحبهم ) أي : في أفعالهم ، بل قاتلناهم وحاربناهم ، وعاديناهم وقاطعناهم لمرضاتك ورجاء لتجلياتك ، وحاصله أنا ما اتبعناهم حينئذ والأمر غيب عنا ، ونحن محتاجون إليهم ، فكيف نتبعهم الآن وقت العيان ؟ إنهم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم .
قال الطيبي - رحمه الله : أفقر : حال من ضمير فارقنا ، وما : مصدرية والوقت مقدر . قال النووي - رحمه الله : معناه أنهم تضرعوا إلى الله تعالى ولجأوا إليه وتوسلوا بهذا القول المشعر بالإخلاص إلى الخلاص ، يعني : ربنا فارقنا الناس في الدنيا ، الذين زاغوا عن طاعتك من الأقرباء ، وممن يحتاج إليهم في المعاش والمصالح الدنيوية ، وهكذا كان دأب الصحابة ومن بعدهم من المؤمنين في جميع الأزمان ; فإنهم كانوا يقاطعون من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليه ، وآثروا رضا الله تعالى على ذلك .