صفحة جزء
5670 - وعنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي . متفق عليه .


5670 - ( وعنه ) أي عن أنس - رضي الله عنه - ( عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ) أي لو فرض الآن أن تملك ( ما في الأرض من شيء ) " من " زائدة للاستغراق ، أي جميع ما فيها - وطلب منك أن تفتدي به وتخلص نفسك من النار ( أكنت تفتدي به ؟ ) وهو من الافتداء بمعنى إعطاء الدرداء للإنجاء ( فيقول : نعم . فيقول ) أي الله سبحانه ( أردت منك أهون من هذا ) ، أي طلبته ، فوضع السبب موضع المسبب ؛ ولأن مراد الله تعالى لا يتخلف كما اتفق عليه السلف والخلف بقولهم : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وحاصله أني أمرتك بأسهل من هذا ، [ ص: 3615 ] ( وأنت في صلب آدم ) أي تعلق بك الأمر والحال أنك في صلب آدم ، وفيه إيماء إلى قضية الميثاق المشتمل على قوله : ألست بربكم قالوا بلى " أو المراد منه التوحيد والعبادة على وجه التفريد ، وإليه أشار بقوله : ( أن لا تشرك بي شيئا ) وهو بدل أو بيان لقوله : أهون ( فأبيت ) أي كل شيء ( إلا أن تشرك بي ) أي فلا جرم ، لا أقبل منك ، ولو افتديت بجميع ما في الأرض كما قال : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم قال الطيبي - رحمه الله - قوله : لو أن لك ما في الأرض جميعا أي لو ثبت ؛ لأن " لو " يقتضي الفعل الماضي ، وإذا وقعت " أن " المفتوحة بعد " لو " كان حذف الفعل واجبا ؛ لأن ما في " أن " من معنى التحقيق والثبات منزل منزلة ذلك الفعل المحذوف . وقوله : أردت منك ، ظاهر هذا الحديث موافق لمذهب المعتزلة ، فإن المعنى : أردت فيك التوحيد ، فخالفت مرادي وأتيت بالشرك . وقال المظهر : الإرادة هنا بمعنى الأمر ، والفرق بين الأمر والإرادة أن ما يجري في العالم لا محالة كائن بإرادته ومشيئته ، وأما الأمر فقد يكون مخالفا لإرادته ومشيئته . قلت : وتوضيحه أن الأمر بالإعلان توجه إلى عامة المكلفين ، وتعلقت مشيئة الإيمان ببعضهم وإرادة الكفر ببعضهم ؛ ولذا قال تعالى : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وقال سبحانه : ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ، وقال : لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ، وقال : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة .

قال الطيبي - رحمه الله - : الأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية ، بقرينة قوله : وأنت في صلب آدم ، فقوله : أبيت إلا أنك تشرك إشارة إلى قوله تعالى : أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ويحمل الآباء هنا على نقض العهد . وقوله : ( ألا تشرك ) استثناء مفرغ ، وإنما حذف المستثنى منه ، مع أنه كلام موجب لأن في الآباء معنى الامتناع ، فيكون نفيا أي ما اخترت إلا الشرك ، انتهى . وهو كلام حسن إلا أن إطلاق الإرادة وإرادة أخذ الميثاق يحتاج إلى بيان يدفع به ما تقدم من الإيراد ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية