5694 - عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10367028تحاجت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم . قال الله تعالى للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله .
تقول قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، فلا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله تعالى ينشئ لها خلقا " . متفق عليه .
أي في كونهما مخلوقتين على ما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وفي بيان أنهما لمن خلقتا ، وذكر بعض أوصافهما من خلقتهما .
الفصل الأول
5694 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - " تحاجت ) بتشديد الجيم أي تخاصمت وتجادلت وتعارضت ( الجنة والنار ) أي بلسان القال أو ببيان الحال . قال الطيبي - رحمه الله - : هذه .
[ ص: 3628 ] المحاجة جارية على التحقيق ، فإنه تعالى قادر على أن يجعل كل واحدة مميزة مخاطبة ، أو على التمثيل . قلت : الأول هو المعول ؛ لأن مذهب أهل السنة على ما في المعالم أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ، لا يقف عليها غيره ، فلها صلاة وتسبيح وخشية ، فيجب على المرء الإيمان به ، ويكل علمه إلى الله سبحانه ، انتهى . وأدلته كثيرة ليس هذا محل ذكرها ، والله تعالى أعلم . ( فقالت النار : أوثرت ) بصيغة المجهول من الإيثار أي اخترت ( بالمتكبرين ) أي عن الحق ( والمتجبرين ) أي على الخلق بالتسلط والقهر ، فقيل هنا بمعنى ، جمع بينهما للتأكيد ، وقيل : المتكبر المتعظم بما ليس فيه ، والمتجبر الذي لا يوصل إليه ، وقيل : الذي لا يكترث ولا يبالي بأمر الضعفاء والمساكين . ( وقالت الجنة : فما لي ) أي فأي شيء وقع لي ( لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ) أي في البدن والمال ( وسقطهم ) بفتحتين ، أي أردؤهم وأكثرهم خمولا ، وأقلهم اعتبارا ، المحقرون فيما بينهم ، الساقطون عن أعينهم ، وكذا بالنسبة إلى ما عند أكثر الناس لأنهم كما قال تعالى : ولكن أكثرهم لا يعلمون وفي موضع : ولكن أكثرهم يجهلون وأما بالنسبة إلى ما عند الله عظماء ، وكذا عند من عرفهم من العلماء والصلحاء ، فوصفهم بالسقط والضعف لهذا المعنى ، أو المراد بالحصر الأغلب . ( وغرتهم ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وهي عدم التجربة ، أو وجود الغفلة بمعنى الذين لا تجربة لهم في الدنيا ، ولا اهتمام لهم بها ، أو الذين هم غافلون عن أمور الدنيا شاغلون بمهم العقبى على ما ورد في الخبر : أكثر أهل الجنة البله ، أي في أمور الدنيا بخلاف الكفار ، فإنهم كما قال تعالى : يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون . هذا وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : رواه الأكثر بغين معجمة مفتوحة فراء فثاء مثلثة ، أي أهل الحاجة من الغوث وهو الجوع ، وروي بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وبتاء مثناة فوقية ، أي البله الغافلون ، وهي ثابتة في أكثر نسخ مسلم ، ورواه آخرون بعين مهملة فجيم فزاي مفتوحات وتاء مثناة ، جمع عاجز ، وروي بضم العين والجيم ، جمع عاجز أيضا .
( قال الله للجنة ) ابتدأ بها للحديث القدسي ( سبقت رحمتي غضبي ) وجبرا لها حيث انكسر بالها بما لها من الضعفاء ، وغلبت في السؤال وضعفت في الجواب ( إنما أنت رحمتي ) أي مظهرها . في شرح السنة : سمى الجنة رحمته لأن بها يظهر رحمة الله تعالى كما قال : ( أرحم بك من أشاء من عبادي ) وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفا ليست لله صفة حادثة ، ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وفي المعالم : الرحمة إرادة الله الخير لأهله ، وقيل : ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق ، فهو على الأول صفة ذات ، وعلى الثاني صفة فعل . ( وقال ) أي الله ( للنار : إنما أنت عذابي ) أي سبب عقوبتي ومنشأ سخطي وغضبي . ( أعذب بك من أشاء من عبادي ) والحاصل أن الجنة والنار والمؤمنين والكفار مظاهر للجمال والجلال على وصف الكمال ، ولا يظهر لأحد وجه تخصيص كل بكل في مقام الفصل ، مع العلم بأن أحدهما من باب العدل ، والآخر من طريق الفضل : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( ولكل واحدة منكما ملؤها ) لأن كمالهما في ملء مآلهما ( فأما النار فلا تمتلئ ) قال تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد أي فتطلب الزيادة ولا تمتلئ من أهلها المعد لها . ( حتى يضع الله ) أي فيها أو عليها ( رجله ) وفي الرواية الآتية : قدمه ، فمذهب السلف التسليم و [ ص: 3629 ] التفويض مع التنزيه ، وأرباب التأويل من الخلف يقولون : المراد بالقدم قدم بعض مخلوقاته ، أو قوم قدمهم الله للنار من أهلها ، وتقدم في سابق حكمه أنهم لاحقوها ، فتمتلئ منهم جهنم ، والعرب تقول : كل شيء قدمته من خير أو شر فهو قدم ، ومنه قوله تعالى : أن لهم قدم صدق عند ربهم أي ما قدموه من الأعمال الصالحة الدالة على صدقهم في تصديقهم ، والمراد بالرجل الجماعة من الجراد ، وهو إن كان موضوعا لجماعة كثيرة من الجراد ، لكن استعارته لجماعة الناس غير بعيد ، وأخطأ الراوي في نقله الحديث بالمعنى ، وظن أن الرجل سد مسد القدم ، هذا وقد قيل : وضع القدم على الشيء مثل للروع والقمع ، فكأنه قال : يأتيها أمر الله فيكفيها من طلب المزيد ، ويدل على هذا المعنى قوله : " فيضع الرب قدمه عليها " ولم يقل فيها ، كذا قاله شارح المصابيح ، لكن الرواية الآتية بلفظ : " فيها " في المشكاة ، نعم " في " قد تأتي بمعنى " على " على ما في التنزيل ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وقيل : أريد به تسكين فورتها ، كما يقال للأمر يراد إبطاله : وضعته تحت قدمي ، ذكره في النهاية . وفي شرح السنة : القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله المنزهة عن التكييف والتشبيه ، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة ، كاليد والأصبع والعين ، والمجيء والإتيان والنزول ، فالإيمان بها فرض ، والامتناع عن الخوض فيها واجب ، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم ، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل ، والمكيف مشبه . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى . وهو الموافق لمذهب الإمام مالك - رحمه الله - ولطريق إمامنا الأعظم على ما أشار إليه في الفقه الأكبر ، فالتسليم أسلم ، والله تعالى أعلم .
( تقول ) أي النار ، والجملة استئناف بيان أو حال ، وإلا فكان الظاهر أن يقال : فتقول ( قط ) بفتح القاف وسكون الطاء ، وفي نسخة بكسرها منونة ، وفي أخرى من غير تنوين ( قط قط ) ذكر ثلاث مرات على ما في النسخ المصححة ، والمفهوم من قول شارح أنه مرتين حيث قال بسكون الطاء أي : كفى كفى ، ويحتمل بكسر الطاء أي حسبي حسبي . قال النووي : فيه ثلاث لغات بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة ، وفي القاموس : إذا كان قط بمعنى حسب فقط كمن وقط منونا مجرورا ، فاقتصاره عليهما مشعر بأن الكسر مع غير التنوين ضعيف . ( فهنالك ) أي في ذلك الزمان ( تمتلئ ) أي النار بقدرة الله تعالى ( ويزوى ) بصيغة المجهول أي يضم ويجمع ( بعضها إلى بعض ) أي من غاية الامتلاء ( فلا يظلم الله ) أي أبدا ( من خلقه أحدا ) أي لا ينشئ الله خلقا للنار ، فإنه ظلم بحسب الصورة وإن لم يكن ظلما حقيقة فإنه تصرف في ملكه ، والله تعالى لا يفعل ما في صورة الظلم . ( وأما الجنة فإن الله تعالى ينشئ لها ) أي من عنده ( خلقا ) أي جمعا لم يعملوا عملا ، وهذا فضل من الله تعالى ، كما أنه سبحانه لو أنشأ للنار خلقا على ما قيل لكان عدلا ، والله تعالى أعلم . ( متفق عليه ) .