قال النووي - رحمه الله : جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا ، سيما عند الصوفية ، وأهل الصلاح ، والمعرفة . وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به ، والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ، وحضوره في المواضع الشريفة ، ومواطن الخير أكثر من أن تحصى ، وصرح الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح بذلك ، وشذ من أنكره من المحققين .
قال الحميري المفسر ، وأبو عمرو : هو نبي ، واختلفوا في كونه مرسلا . وقال القشيري ، وكثيرون : هو ولي واحتج من قال بنبوته بقوله : ما فعلته عن أمري ، فدل على أنه أوحي إليه ، وبأنه أعلم من موسى عليه الصلاة والسلام ، ويبعد أن يكون الولي أعلم من النبي . وأجاب الآخرون : بأنه يجوز أن يكون قد ألقي إليه بطريق الإلهام ، كما ألقي إلى أم موسى في قوله تعالى : إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه قلت : فيه أن الوحي إلى أم موسى فيما يتعلق بتدبير خلاص الطفل حالة الاضطرار في أمره ، وأما حمل أمر الغلام على الإلهام إلى الولي فغير صحيح ، إذ لا يصح لأحد من الأولياء أن يقتل نفسا زاكية بغير نفس اعتمادا على الوحي الإلهامي بأنه طبع كافرا ، وقد قال الثعلبي المفسر : الخضر نبي معمر محجوب عن أكثر الأبصار . قال ، وقيل : إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن .
قلت : وقد تقدم أنه يقتله الدجال ، ثم ذكر أقوالا أنه من زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أم بعده بقليل أو كثير ؟ قلت : ويروى أنه من أولاد آدم والله تعالى أعلم .
ويدل عليه قوله : ( ولو عاش ) أي : ذلك الغلام بأن أدرك الكبر ( لأرهق أبويه ) أي : لكلفهما ( طغيانا وكفرا ) أي : جعل سببا لإضلالهما ، فالحاصل أن علة قتله مركبة من كونه طبع كافرا ، وإنه لو فرض أنه عاش لكان مضلا فاجرا . قال النووي : ولما كان أبواه مؤمنين يكون هو مؤمنا . قلت : فكيف يجوز قتل المؤمن ؟ قال : فيجب تأويله بأن معناه والله سبحانه أعلم أن ذلك الغلام لو بلغ لكان كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه . أي : غشيهما طغيانا وكفرا . أي طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه ، أو معناه حملهما أن يتبعاه فيطغيا .
قال ابن الملك ، فإن قلت : خوف كفر أحد في المآل لا يبيح قتله في الحال ، فكيف قتله الخضر من خوف كفر ؟ قلت : يجوز أن يكون ذلك في شرعهم . قلت : تقرير الله تعالى ، وتقريره موسى صريح في ذلك ، بل على جواز مثل ذلك في شرعنا لو علم قطعا أنه طبع كافرا ، كما قرره صاحب الشرع في هذا الحديث ، فبطل كون الغلام مؤمنا حينئذ ، إذ لا يجوز قتل المؤمن من غير جنح إجماعا في جميع الأديان . قال : أو نقول هذا علم لدني ، وله مشرب آخر غير المعهود في الظاهر ، فلا نشتغل بكيفيته . قلت : لا مخالفة بين الشريعة والحقيقة في أحكام الطريقة ، ومن فرق بينهما ممن لم يصل إلى مرتبة الجمع نسب إلى الزندقة ، ثم إن الأمر لا يخلو عن أحد شيئين : فإن الخضر إن كان من أهل النبوة ، فلا بد أن يكون عمله على وفق الشريعة ، وإن كان من أهل الولاية ، فليس له أن يعتمد على علمه اللدني ، وإلهامه الغيبي في مثل هذه القضية العظمى ، والبلية الكبرى ، ثم في الحديث بيان الحكمة في قتل الخضر ، وكأنه خرج موضع الاعتذار عنه تصريحا بخلاف ما في الآية من الإشارة إلى ذلك تلويحا . ( متفق عليه ) .