في عوارف المعارف ما معناه : إن اشتقاق الصلاة من الصلي ، وهو دخول النار ، والخشبة إذا تعوجت عرضت على النار فتقوم ، وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء ، والمصلي يصيبه من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه ، فهو كالمصلي بالنار ، ومن اصطلى بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض بالنار ثانية إلا تحلة القسم ، نقله ميرك عن الأزهار .
الفصل الأول
564 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس " ) : أي : بعضها إلى بعض ( والجمعة ) : بضم الميم وتسكن أي : صلاتها ( إلى الجمعة ) : قال الطيبي : إلى متعلقة بالمصدر ، أي : منتهية إلى الجمعة ، والأظهر منضمة ، وعلى هذا قوله : ( ورمضان ) : أي : صومه ( إلى رمضان ) : وقوله ( مكفرات لما بينهن ) : خبر عن الكل ، وما بينهن معمول لاسم الفاعل ، قاله الطيبي . وفي المصابيح : مكفرات ما بينهن بالإضافة وغيرها ، والتكفير : التغطية ، والمراد هنا المحو ، وقوله : " إذا اجتنبت الكبائر " على صيغة الماضي المجهول شرط ، جزاؤه ما دل عليه ما قبله ، إنما ذهبنا إلى أن الصلاة إلى الصلاة مكفرة ما بينهما دون خمس صلوات ، لما يرد من الحديث الآتي ، قاله الطيبي . يعني : إذا اجتنب المصلي والصائم عن الكبائر حتى لو أتاها لم يغفر شيء مما بينهن . قال تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم قاله ابن الملك ، وهو قول ضعيف ، وإن قال به التوربشتي والحميدي ، كما نقله عنهما في شرح المشارق ، بل منسوب إلى المعتزلة كما في شرح العقائد ، فالصحيح ما قاله النووي من أن هذا المعنى ، وإن كان محتملا لكنه ليس بمراد ; لأن سياق الحديث يأباه ، بل معناه أن ما بينهن من الذنوب كلها مغفرة إلا الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ، أو فضل الله تعالى ، هذا مذهب أهل السنة اهـ .
ومنازعة ابن حجر غير صحيحة لما قدمنا . قال الشيخ الكلاباذي : يجوز أن يراد من الكبائر أي في الآية : الشرك وجمعه باعتبار أنواعه من اليهودية والنصرانية والمجوسية ، أو يقال : جمعه ليوافق الخطاب ; لأن الخطاب ورد على الجمع ; لقوله : إن تجتنبوا فكبيرة كل واحد إذا ضمت إلى كبيرة صاحبه صارت كبائر . اهـ .
وفيه أنه يحتاج حينئذ إلى تقدير إن شاء لقوله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والأظهر أن الكبائر على معناها المتعارف ، والمعنى : إن تجتنبوا عنها نكفر عنكم سيئاتكم بالطاعات ، كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة ، والله تعالى أعلم . قال ميرك : ولم يقل في الحديث : إن مكان إذا ; لأن الغالب من حال المسلم الاجتناب عن الكبائر . اهـ .
والأظهر أن إذا لمجرد الظرفية ، فمعنى قوله : " إذا اجتنبت الكبائر " وقت اجتنابها وخروجها عما بينهن ؛ إذ المراد بها أنها لا تكفر ، قيل : الظاهر أن المراد اجتنابها مدة تلك السيئة المذكورة مطلقا ، لكن ظاهر خبر مسلم ما لم يؤت كبيرة اشتراط أن لا يأتي كبيرة من حين فعل المكفر إلى موته ، ثم ما أفاده الحديث من أن الكبيرة لا يكفرها الصلوات والصوم ، وكذا الحج ، وإنما يكفرها التوبة الصحيحة لا غيرها . نقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الإجماع عليه بعدما حكى في تمهيده عن بعض حاضريه أن الكبائر يكفرها غير التوبة ، ثم قال : وهذا جهل ، وموافقة للمرجئة في قولهم : إنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، وهو مذهب باطل بإجماع الأمة . قال : ولو كان كما زعموا لم يكن للأمر بالتوبة معنى ، وقد أجمع المسلمون أنها فرض ، والفروض لا يصح شيء منها إلا بالقصد . اهـ .
[ ص: 507 ] وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : ما في الحديث من تكفير الصغائر فقط هو مذهب أهل السنة ، فإن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله تعالى ، أو فهي لا تكفر بعمل ، فما نقل عن ابن المنذر وغيره : أن بعض الأحاديث عام ، وفضل الله واسع يحمل على هذا المعنى لا غير . فإن قلت : إذا وجد بعض المكفرات فما يكفر غيره ؟ قلت : أجاب العلماء عن ذلك بأن كل واحد صالح للتكفير ، فإن وجد صغيرة أو صغائر كفرها ، وإلا كتبت به حسنات ورفعت به له درجات . وقال النووي : وإن صادف كبيرة أو كبائر رجونا أن يخفف من كبائره أي : من عذابها اهـ . وليس في كلامه تكفير ; لأن معناه رفع أثر الذنب بالكلية لا تخفيف عذابه ( رواه مسلم ) : قال ميرك : وهذا لفظه . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، ولم يذكر رمضان .