5717 - ( وعن ابن عباس قال : سرنا ) : من السير أي سافرنا ( مع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بين مكة والمدينة ) ، يحتمل من مكة إلى المدينة وبالعكس ، ( فمررنا بواد فقال : " أي واد هذا ؟ " فقالوا : وادي الأزرق ) . وهو موضع بين الحرمين سمي به لزرقته ، وقيل : منسوب إلى رجل بعينه . ( فقال : " كأني أنظر إلى موسى " فذكر من لونه وشعره شيئا ) أي : بعضا من أوصافها ، وهو أن لونه أحمر وشعره جعد على ما سبق ( واضعا ) أي : حال كون موسى واضعا ( أصبعيه في أذنيه ) ، بضم الذال ويسكن والتثنية فيهما على طريق اللف والنشر ( له ) أي : لموسى ( جؤار ) : بضم جيم فهمز ، وقد يبدل أي : تضرع ( إلى الله بالتلبية ) : ذكره شارح ، وقال الطيبي - رحمه الله : رفع صوت بها ولا منع من الجمع ( مارا بهذا الوادي ) . قال الطيبي - رحمه الله : واضعا ومارا حالان مترادفان أو متداخلان من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد تخلل بينهما كلام الراوي ، يعني الراوي عن حاله ، وهو النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم .
( قال ) أي : ابن عباس ( ثم سرنا ) أي : ذهبنا ( حتى أتينا على ثنية ) : بفتح مثلثة وكسر نون وتشديد تحتية أي : عقبة وهي طريق عال في الجبل أو بين الجبلين . ( فقال : " أي ثنية هذه ؟ " قالوا : هرشى ) : بهاء فراء فشين معجمة فألف مقصورة تكتب بالياء كسكرى على طريق الشام ، والمدينة قرب الجحفة ( أو لفت ) : بكسر اللام ، وسكون الفاء على ما في أكثر النسخ ، وقال الطيبي - رحمه الله : يروى فيه كسر اللام ، وإسكان الفاء وفتحها معه وفتحهما . وقال شارح : هرشى ثنية بقرب الجحفة . يقال لها أيضا : لفت ، والشك للراوي ، أقول : ويمكن أن يكون " أو " للتنويع على أن بعضهم قال : هرشى ، وبعضهم لفت ، ولا خلاف في الحقيقة . ( فقال : " كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف " ) أي : للتواضع واختيار الزهد ، " هذا مأخذ للصوفية ومن تبعهم من العلماء كالكسائي ، ولعله لبسها على غير هيئة المعتاد ، أو كان جائز في شرعه للمحرم لبس الجبة ونحوها مطلقا والله تعالى أعلم . ( خطام ناقته ) أي : زمامها وزنا ومعنى ، وهو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه أي مقدم أنفه وفمه ، ( خلبة ) ، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وبضمها فموحدة فهاء ليفة نخل ، ( مارا بهذا الوادي ملبيا ) . حالان من يونس ، كما تقدم ، وفيه إشعار بأن الحج من شعائر الله ، ومن شعائر أنبيائه أحياء وأمواتا ، فيفيد الترغيب في قصد الحج وما يتعلق به من التلبية الدالة على التوحيد والهيئة الإحرامية المشعرة إلى التجريد والتفريد ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال النووي - رحمه الله - فإن قيل : كيف يحجون ويلبون وهم أموات والدار الآخرة ليست بدار عمل ؟ الجواب : من وجوه : أحدها : أنهم كالشهداء بل أفضل ، والشهداء أحياء عند ربهم ، فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا ، لأنهم وإن كانوا قد توفوا ، فهذا في هذه الدنيا التي هي دار العمل ، حتى إذا فنيت مدتها ، وتعقبها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل .
[ ص: 3654 ] وثالثها : أن تكون هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء كما قال في رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : nindex.php?page=hadith&LINKID=10367099بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة ، وذكر الحديث في قصة عيسى . قلت : ورؤيا الأنبياء حق وصدق . قال : ورابعها : أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - أري حالهم التي كان في حياتهم ، ومثلوا له في حال حياتهم ، كيف كانوا وكيف حجهم وتلبيتهم ، كما قال - صلى الله تعالى عليه وسلم : كأني أنظر إلى موسى " . قلت : الظاهر أن المراد بقوله هذا استحضار تلك الحالة الماضية عند الحالة الراهنة للإشارة إلى غاية تحققها ونهاية صدقها . قال : وخامسها : أن يكون أخبر عما أوحي إليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - من أمرهم وما كان منهم ، وإن لم يرهم رؤية عين . قلت : يرده قوله : كأني أنظر إليهما .
قال : وهذا آخر كلام القاضي عياض . وفي الحديث دليل على استحباب وضع الأصبع في الأذن عند رفع الصوت بالأذان ونحوه ، وهذا الاستنباط والاستحباب يجني على مذهب من يقول من أصحابنا أو غيرهم : إن شرع من قبلنا شرع لنا . قلت : هذا الاستنباط إنما يتم لو قيل : باستحباب وضع الأصبعين في الأذنين وقت التلبية ، ولا أظن أن أحدا قال بهذا ، وأما وضع الأصبع في الأذن حال الأذان ، فله دليل مستقل ذكر في بابه . ( رواه مسلم ) .