نوائب من خير وشر كلاهما فلا الخير ممدود ولا الشر لازب
هذا مجمل المرام في هذا المقام . وأما تفصيل الكلام على ما بينه علماء الأعلام ، فقد قال ثعلب والخطابي وغيرهما : يقال : كسبت الرجل مالا وأكسبته مالا لغتان ، أفحمهما كسبته بحذف الألف ، فمعنى الضم تكسب غيرك المال المعدوم ، أي : تعطيه إياه تبرعا ، فحذف الموصوف ، وأقيم الموصوف به مقامه ، وقيل : المعنى تعطي الناس مالا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق ، أو تصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ، وكانت العرب تتمادح بكسب المال ، لا سيما قريش ، وكان - صلى الله عليه وسلم - مغبوطا في تجارته . قال النووي : وهذا القول ضعيف أو غلط ، ويمكن تصحيحه بأن يضم معه زيادة ، فمعناه تكسب المال العظيم الذي يعجز غيري عنه ، ثم تجود به في وجوه الخير وأبواب المكارم ، كما ذكرت من حمل الكل وصلة الرحم وغيرهما ، وصاحب التحرير جعل المعلوم عبارة عن الرجل المحتاج المعلوم العاجز عن الكسب ، وسماه معلوما لكونه كالمعلوم الميت حيث لم يتصرف في معيشة الحياة اهـ .يا ليت أيام الصبا رواجعا
قال الخطابي والمازري وغيرهما : نصب على أنه خبر كان المحذوفة تقديره : ليتني أكون فيها جذعا على مذهب الكوفيين ، وقال القاضي : الظاهر عندي أنه منصوب على الحال ، وخبر ليت قوله : فيها ، والعامل متعلق الظرف ، هذا وفي قوله : يا ليتني المنادى محذوف أي : يا محمد ، وقال ابن مالك : ظن أكثر الناس أن ( يا ) التي يليها ليت حرف نداء ، والمنادى محذوف ، وهو عندي ضعيف ، لأن قائل ليتني قد يكون وحده ، فلا يكون معه منادى كقول مريم : ياليتني مت قبل هذا قلت : يمكن أن يكون التقدير : يا رب أو يا نفسي أو يا ولدي أو أرادت به الخطاب العام المقصود في أوهام الأفهام ، ثم قال : ولأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه مستعملا فيه ثبوته كحذف المنادى قبل أمر أو دعاء ، فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته منه ، فمن ثبوته قبل الأمر : يايحيى خذ الكتاب بقوة وقيل الدعاء ياموسى ادع لنا ربك ومن حذفه قبل الأمر ( ألا يا اسجدوا ) في قراءة الكسائي أي : ألا يا هؤلاء ، وقبل الدعاء قوله :ألا يا اسلمي يا دار مي على البلا
[ ص: 3734 ] أي : ألا يا دار مي اسلمي فحسن حذف المنادى جعلها اعتمادا على ثبوته ، بخلاف ليت ، فإن العرب لم تستعمله ثابتا فادعاء حذفه باطل ، فتعين كون يا هذه لمجرد التنبيه مثل ألا في نحو :ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
قلت : لعل وجه حذف المنادى مع ليت كثرة استعماله ، فتارة يكون مفردا مذكرا أو مؤنثا ، وتارة تثنية أو جمعا كذلك ، وتارة يكون محققا وأخرى يكون موهوما ، ولا شك أن كثرة الاستعمال موجبة للحذف والتخفيف ، حتى ربما تجعل الحذف واجبا ، فادعاء حذفه بهذا الاعتبار حق ، بل واجب لا باطل وذاهب ، ثم رأيت في القاموس ذكر جواز الوجهين ، وقدم ما قدمناه حيث قال : وإذا ولي يا ما ليس بمنادى كالفعل في : ألا يا اسجدوا ، والحرف في نحو : ( ياليتني كنت معهم ) ، ويا رب كاسية في الدنيا عارية في العقبى ، والجملة الاسمية نحو :يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار