5872 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو ) أي : والحال أنه ( في قبة يوم بدر ) : الحديث من جملة مراسيل الصحابة ، لأن ابن عباس ما حضر بدرا ، والجملة حالية معترضة بين القول ومقوله .
[ ص: 3781 ] وهو قوله : ( اللهم أنشدك ) : بضم الشين أي أطلبك وأسألك ( عهدك ) أي : أمانتك ( ووعدك ) ، أي : إنجازه ( اللهم إن تشأ ) أي : عدم العبادة ، أو عدم الإسلام ، أو هلاك المؤمنين ( لا تعبد ) : بالجزم على جواب الشرط ( بعد اليوم ) : لأنه لا يبقى على وجه الأرض مسلم ، وفيه إشعار بأن الله سبحانه لا يجب عليه شيء ، مع أنه لا خلف في وعده ، بل ولا في وعيده من حيث أنه لا يجوز الخلف ! في خبره ، فالخوف إنما هو لاحتمال استثناء مقدر ، أو قيد مقرر ، أو وقت محرر ، وهذا مجمل المرام في هذا المقام .
وأما تفصيل الكلام ؟ فقد قال التوربشتي ، يقال : نشدت فلانا أنشده نشدا إذا قلت له : نشدتك الله ، أي : سألتك بالله ، وقد يستعمل في موضع السؤال ، والعهد هاهنا بمعنى الأمان ، يريد أسألك أمانك وإنجاز وعدك الذي وعدتنيه بالنصر . فإن قيل : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس بالله ، وقد علم أن الله سبحانه لم يكن ليعده وعدا فيخلفه ، فما وجه هذا السؤال ؟ قلنا : الأصل الذي لا يفارق هذا الحكم ، هو أن الدعاء مندوب إليه علم الداعي حصول المطلوب ، أو لم يعلم . ثم إن العلم بالله يقتضي الخشية منه ، ولا ترفع الخشية من الأنبياء عليهم السلام بما أوتوا ووعدوا من حسن العاقبة ; فيجوز أن يكون خوفه من مانع ينشأ ذلك من قبله ، أو من قبل أمته ، فيحبس عنهم النصر الموعود ، ويحتمل أنه وعد بالنصر ولم يعين له الوقت ، وكان على وجل من تأخر الوقت فتضرع إلى الله تعالى لينجز له الوعد في يومه ذلك ، وأما ما أظهر من الضراعة فقيل : الأحسن أن يقال أن مبالغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السؤال مع عظيم ثقته بربه وكمال علمه ، كان به تشجيع للصحابة وتقوية لقلوبهم ، لأنهم كانوا يعرفون أن دعاءه لا محالة مستجاب ، لا سيما إذا بالغ فيه . قلت : وفيه إشعار بأن من لم يقدر على المحاربة ، أو لم يؤمر بالمقاتلة ; فينبغي له حينئذ أن يدعو بالنصرة ليحصل له ثواب المشاركة ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى أصحابه أنهم توجهوا إلى الخلق رجع بنفسه إلى الذات المطلق وراجع ربه في طلب الحق .
قال الطيبي : المراد بالوعد في قوله تعالى : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ولعله - صلى الله عليه وسلم - استحضر معنى قوله تعالى : إن الله لغني عن العالمين وقوله سبحانه : والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ( فأخذ أبو بكر بيده ، فقال : حسبك ) أي : يكفيك ما دعوت ( يا رسول الله ! ألححت على ربك ) ، أي بالغت في السؤال ، والجملة استئناف بيان للحال ( فخرج ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قبته وهو يثب ) : بكسر المثلثة المخففة قبل الموحدة من الوثوب أي : يسرع فرحا ونشاطا ( في الدرع ) أي : حال كونه في درعه للمحافظة وعلى نية المقاتلة ( وهو يقول ) أي : يقرأ ما نزل عليه : ( سيهزم الجمع ) أي : جمع الكفار ( ويولون ) أي : ويدبرون ( الدبر ) : بضمتين أي : الظهر . وقال شارح : بضم الباء وسكونها ، ثم الجملة الثانية تأكيد للأولى ، ويمكن أن تكون الهزيمة كناية عن المغلوبية ، والمعنى : سيغلب الجمع بل الحمل عليه أولى مراعاة للتأسيس كما لا يخفى . ( رواه البخاري ) . وكذا nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي .