صفحة جزء
6010 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ، ولا يوفون ويظهر فيهم السمن ) . وفي رواية ( ويحلفون ولا يستحلفون ) . متفق عليه .


6010 - ( وعن عمران بن حصين قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( خير أمتي قرني ) ، أي الذين أدركوني وآمنوا بي وهم أصحابي ، ( ثم الذين يلونهم ) ، أي يقربونهم في الرتبة أو يتبعونهم في الإيمان والإيقان وهم التابعون ( ثم الذين يلونهم ) ، وهم أتباع التابعين ، والمعنى أن الصحابة والتابعين وتبعهم هؤلاء القرون الثلاثة المرتبة في الفضيلة ، ففي النهاية : القرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان ، مأخوذ من الاقتران ، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم . وقيل : القرن أربعون سنة ، وقيل : ثمانون ، وقيل : مائة ، وقيل : هو مطلق من الزمان ، وهو مصدر قرن يقرن . قال السيوطي : والأصح أنه لا ينضبط بمدة فقرنه - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة ، وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة ، وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين ، وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين ، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا ، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن ، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن وظهر مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم يفشو الكذب ) .

قال الطيبي : وثم فيه بمنزلة الفاء في قوله الأفضل ، فالأفضل على أنه بيان لتراخي الرتبة في النزول والخير المذكور أولا ، أطلق على ما اقتضاه معنى التفضيل من الاشتراك حتى انتهى إلى حد يرتفع فيه الاشتراك ، فيختص بالموصوف ، فلا يدخل ما بعده من قوله : ( ثم إن بعدهم قوما يشهدون ) : فهو حينئذ كما في قوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وقولك : الصيف أحر من الشتاء . قال شارح ، في أكثر نسخ المصابيح : ثم إن بعدكم وليس بسديد والصواب ، ثم إن بعدهم قوما يشهدون . ( ولا يستشهدون ) ، بصيغة المجهول أي ، والحال أنه لا يطلب منهم الشهادة ، ولا يبعد أن تكون الواو عاطفة كبقية ما يأتي ، والحاصل أنهم يشهدون قبل أن يطلب منهم الشهادة فهو ذم على الشهادة قبل الاستشهاد .

قال النووي : وهذا مخالف في الظاهر للحديث الآخر : خير الشهود من يأتي بالشهادة قبل أن يسأل قالوا : والجمع بينهما أن الذم في ذلك لمن بادر بالشهادة في حق من هو عالم بها قبل أن يسألها له صاحبه ، وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة لأحد لا يعلم بها ، فيخبره بها ليستشهده عند القاضي ، ويلحق به من كانت عنده شهادة في حدود أي المصلحة في الستر ، هذا ما عليه الجمهور انتهى .

وقيل : المدح في حقوق الله والذم في حقوق الناس ( ويخونون ولا يؤتمنون ) ، جمع بينهم تأكيدا أو يخونون الناس عند ائتمانهم إياهم ، ولا يجعلون أمناء عند بعضهم لظهور خيانتهم . وقال النووي : ومعنى الجمع في قوله : يخونون ولا يؤتمنون أنهم يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها ثقة ، بخلاف من خان حقيرا مرة ، فإنه لا يخرج به عن أن يكون مؤتمنا في بعض المواطن ( وينذرون ) ، بضم الذال ويكسر على ما في ( القاموس ) ، أي : يوجبون على أنفسهم أشياء ، ( ولا يوفون ) ، من الوفاء أي : ولا يقومون بالخروج عن عهدتها ، ولا يبالون بتركها بخلاف الأبرار على ما قال سبحانه في حقهم : يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا وقد قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أي بالأيمان والنذور والعهود ( ويظهر فيهم السمن ) . بكسر السين وفتح الميم مصدر سمن بالكسر والضم سمانته بالفتح وسمنا كعنب فهو سامن وسمين . قال صاحب النهاية : في الحديث يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون أي يتكبرون بما ليس فيهم ، ويدعون ما ليس لهم من الشرف ، وقيل : أراد جمعهم الأموال ، وقيل : يحبون التوسع في المآكل والمشارب ، وهي أسباب السمن . وقال التوربشتي : كنى به عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين ، فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس ، بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم ، وفي ( شرح مسلم ) قالوا : والمذموم من السمن ما يستكسب ، وأما ما هو خلقه فلا يدخل في هذا انتهى . وبه يظهر معنى ما ورد من أن الله يبغض الحبر السمين . ( وفي رواية : ( ويحلفون ولا يستحلفون ) . أي : يحلفون من غير ضرورة داعية إليه ومن غير حاجة باعثة عليه . ( متفق عليه ) .

[ ص: 3879 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية