صفحة جزء
6144 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ، ويقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . رواه البخاري .


6144 - ( وعن أبي بكرة ) ، أي : الثقفي ( قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن بن علي ) : بالرفع ويجوز نصبه ( إلى جنبه ) : يحتمل الأيمن والأيسر ( وهو ) ، أي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يقبل على الناس مرة وعليه ) ، أي : وعلى الحسن ( أخرى ) : وفي رواية الذخائر ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ( ويقول : " إن ابني هذا سيد " ) : أصله سيود قلبت الواو ياء وأدغمت . قيل : وهو من لا يغلبه غضبه ، وقيل : الذي يفوق في الخير ، والأول أليق بما بعده الآتي ، والأظهر الثاني لأنه إنما يطلق حقيقة على من جمع السيادة نسبا وحسبا وعلما وعملا ( " ولعل الله " ) : أتى بصيغة الرجاء إيماء إلى عدم وجوب شيء على المولى ، فالمعنى أرجو منه سبحانه ( " أن يصلح به " ) ، أي : بسببه ( " بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ) . قال التوربشتي : كفى به شرفا وفضلا فلا أسود ممن سماه رسول الله سيدا ، لأنما وصف الفئتين بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة معه وفرقة مع معاوية ، وكان الحسن - رضي الله عنه - يومئذ أحق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه وشفقته على أمة جده إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله ، ولم يكن ذلك لقلة ولا ذلة ، فقد بايعه على الموت أربعون ألفا وقال : والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أن لي أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يهراق في ذلك محجمة دم ، وشق ذلك على بعض شيعته حتى حملته العصبية على أن قال عند الدخول : السلام عليك يا عار المؤمنين ، فقال : العار خير من النار ، وفي شرح السنة : في الحديث دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام ، لأن النبي - عليه السلام - جعلهم كلهم مسلمين مع كون إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة ، وهكذا سبيل كل متأول فيما يتعاطاه من رأي ومذهب إذا كان له فيما تناوله شبهة ، وإن كان مخطئا في ذلك ، ومن هذا اتفقوا على قبول شهادة أهل البغي ونفوذ قضاء قاضيهم ، واختار السلف ترك الكلام في الفتنة الأولى ، وقالوا : تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلا نلوث به ألسنتنا ( رواه البخاري ) . وعن أبي بكرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا ، وكان الحسن يجيء وهو صغير ، فكان كلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب على رقبته وظهره ، فيرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه رفعا رفيقا حتى يضعه ، فقالوا : يا رسول الله رأيناك تصنع بهذا الغلام شيئا ما رأيناك تصنعه بأحد . قال : " أنه ريحانتي من الدنيا إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " .

أخرجه أبو حاتم ، وأخرجه أحمد بمعناه ، ولم يقل ريحانتي من الدنيا . وزاد قال ؟ الحسن بن الحسين : والله بعد أن ولي لم يهرق في [ ص: 3970 ] خلافته ملء محجمة دم ، وعن أبي هريرة قال : كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذا رفيقا ، فيضما على الأرض ، فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته فأقعدهما على فخذيه قال : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله أردهما فبرقت برقة فقال : الحقا بأمكما . قال : فمكث ضوءها حتى دخلا . أخرجه أحمد . وعن معاوية قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمص لسان الحسن أو شفته ، وإنه لن يعذب الله لسانا أو شفة مصهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أخرجه أحمد .

وفي الذخائر قال أبو عمرو : لما قتل علي بن أبي طالب بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت ، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه ، فبقي سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراء النهر من خراسان ، ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه ، فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له يسكن بناحية الأنبار من أرض السواد علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى ، فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية إلا أنه قال : عشرة أنفس فلا أؤمنهم ، فراجعه الحسن فيهم ، فكتب إليه يقول : إني قد آليت إنني متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت ، فبعث إليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه ، فأنا ألتزمه فاصطلحا على ذلك ، واشترط عليه الحسن أن يكون الأمر له من بعده ، فالتزم ذلك كله معاوية ، واصطلحا على ذلك ، وكان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، وكان - رضي الله عنه - يقول : ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أن لي أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يهراق في ذلك محجمة دم . وعن أبي العريف قال : كنا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا مستميتين حرصا على قتال أهل الشام ، فلما جاءنا صلح الحسن كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن ، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمرو سفيان بن أبي ليلى فقال : السلام عليك يا مذل المؤمنين . قال : لا تقل يا أبا عمرو ، فإني لم أذل المؤمنين ، ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك . وعن عبد الله بن بريدة ، أن الحسن دخل على معاوية فقال لأجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك ، فأجازه بأربعمائة ألف ألف فقبلها . وروي أنه لما جرى الصلح بين معاوية والحسن فقال له معاوية : قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه ، فقام الحسن فخطب ، فقال : الحمد لله الذي هدانا وحقن بنا دماءكم ألا إن أكيس الكيس التقي ، وإن أعجز العجز الفجور ، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون أحق به مني أو أن يكون حقي وتركته لله ولصلاح أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحقن دمائهم ، ثم التفت وقال : ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) ، ثم نزل فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ما أردت إلا هذا . وفي رواية : إن الحسن قال في خطبته : يا معاوية إن الخليفة من سار سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمل بطاعته ، وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السنن واتخذ الدنيا أما وأبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية