صفحة جزء
6153 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " . رواه الترمذي .


6153 - ( وعن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي " ) أي بعد فوتي وفي نسخة بعد موتي ( " أحدهما " ) وهو كتاب الله ( " أعظم من الآخر " ) : وهو العترة كما بينه بقوله : ( كتاب الله ) : بالنصب وبالرفع وهو أظهر هنا لقوله : ( حبل ممدود بين السماء والأرض ) أي قابل للترقي والتنزل كما مر بيانه وسبق برهانه ( وعترتي أهل بيتي ) : قال الطيبي في قوله : " إني تارك فيكم ، إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده ، ويعضده الحديث السابق في الفصل الأول : " أذكركم الله في أهل بيتي " كما يقول الأب المشفق : الله الله في حق أولادي ، وأقول : الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته ، الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته ، ولهذا يصلح أن يكونوا مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : ويعلمهم الكتاب والحكمة ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب ، عن حميد بن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده قضاء قضى به علي بن أبي طالب ، فأعجبه وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين عن محمد بن مسعر اليربوعي قال : قال علي للحسن : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع . قال : بين . قال : اليقين ما رأته عينك ، والإيمان ما سمعته أذنك وصدقت به . قال : أشهد أنك ممن أنت منه ذرية بعضها من بعض ، وقارف الزهري فهام على وجهه فقال له زين العابدين : قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليه من ذنبك . فقال الزهري : الله أعلم حيث يجعل رسالته فرجع إلى أهله وحاله . ( " ولن يتفرقا " ) أي كتاب الله وعترتي في مواقف القيامة ( " حتى يردا علي الحوض " ) ، أي الكوثر . قال الطيبي : في تفصيل مجمل لحديث " ما " موصولة ، والجملة الشرطية صلتها ، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه قال تعالى : ويمسك السماء أن تقع على الأرض وتمسك بالشيء إذا تحرى الإمساك به ، ولهذا لما ذكر التمسك عقبه بالمتمسك به صريحا وهو الحبل في قوله : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، فيه تلويح إلى قوله تعالى : ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه كأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم مشتغلون بشهوتهم ، وأن الله تعالى يريد بلطفه رفعهم فأدنى حبل القرآن إليهم ليخلصهم . من تلك الورطة ، فمن تمسك به نجا ، ومن أخلد إلى الأرض هلك ، ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر أن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به ، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه ، ولعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - يوصي الأمة بقيام الشكر ، وقيد تلك النعمة به ، ويحذرهم عن الكفران ، فمن أقام بالوصية . وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا ، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يرد الحوض ، فشكر صنيعه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ هو بنفسه يكافئه والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى ، ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه على العكس ، وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله : ( " فانظروا كيف تخلفوني فيهما " ) والنظر بمعنى التأمل والتفكر أي : تأملوا واستعملوا الروية في استخلافي إياكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء . اهـ . وتجوله : تخلفوني بتشديد النون وتخفف . ( رواه الترمذي ) . ورواه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، ولفظه : " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " .

[ ص: 3976 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية