صفحة جزء
6200 - وعن علقمة - رضي الله عنه - قال : قدمت الشام ، فصليت ركعتين ، ثم قلت : اللهم . يسر لي جليسا صالحا ، فأتيت قوما ، فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء قلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، فقال : من أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ؟ يعني : عمارا ، أو ليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، حذيفة . رواه البخاري .


6200 - ( وعن علقمة ) : تابعي مشهور وقد سبق ذكره ( قال : قدمت الشام ، فصليت ركعتين ) ، أي في مسجد دمشق ( ثم قلت : اللهم يسر ) ، أي : سهل ( لي جليسا صالحا ) ، أي : عالما عاملا أو قائما بحق الله وحق عباده ( فأتيت قوما ، فجلست إليهم ، فإذا شيخ ) ، أي : كبير أو عظيم ( قد جاء حتى جلس إلى جنبي ) ، روى أن لله ملائكة تجر الأهل إلى الأهل ( قلت ) ، أي : للقوم ( من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء قلت ) ، أي : له ( إني دعوت الله أن ييسر ) ، أي : يسهل ( لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، فقال : من أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ) : قال الطيبي ، أي : رجل من أهل الكوفة ليطابق السؤال ، أو تقدير السؤال من أين أنت ليطابقه الجواب ، وقوله : وليس عندكم إلخ . فقال ابن الملك : صوابه من أين أنت ، لقوله من أهل الكوفة ، ولعل لفظة : " أين " سقطت من القلم ، أو من بعض الرواة ، أو صحف أين بأنت ، ومن الجارة بمن الاستفهامية . اهـ . ولا يخفى أنه يلزم منه تخطئة جماعة .

[ ص: 3998 ] من الرواة الثقات في الحفظ والتيقظ ، فالأحسن أن يقال : إن الجواب يدل على أن السؤال عن معرفة ما أو معرفة بلده ، أو يحمل على أن المجيب مقصر أو مقتصر ، أو يكون رجل أو علقمة محذوفا ، أو تقديره : فقلت في جملة الجواب من أهل الكوفة ، وإنما اقتصر عليه لما يترتب عليه ما بعده ، وينشأ عنه ، وهذا هو الأظهر لئلا ينسب أحد من الأكابر إلى الخطأ ، وعلى تقدير الضرورة ، فنسبته إلى التابعي أولى من الصحابي خصوصا السائل ، فإنه لا يقال للسائل سؤالك غير مطابق للجواب ، بل الأمر بالعكس والله أعلم بالصواب . ثم رأيت نظير هذا الإشكال في باب الحب في الله عند قوله : أين تريد ؟ فقال : أريد أخا لي ، فأجابوا بأن السؤال متضمن لقوله : أين تريد ومن تريد ، فتدبر ثم رأيت أنه وقع في البخاري في رواية فقال : ممن أنت ؟ كذا في جامع الأصول ، وفي رواية من أين أنت ؟ كذا في الحميدي .

( قال ) ، أي : أبو الدرداء ( أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة ) بكسر الواو : المخدة ( والمطهرة ) بفتح الميم ويكسر ، ففي القاموس : المطهرة بالكسر والفتح إناء يتطهر به ، وفي الخلاصة فتح الميم في المطهرة أعلى ، ولا يخفى ما فيه العبارة اللطيفة . قال القاضي : يريد به أنه كان يخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويلازمه في الحالات كلها ، فيصاحبه في المجالس ، ويأخذ نعله ويضعها إذا جلس وحين نهض ويكون معه في الخلوات فيسوي مضجعه ويضع وسادته إذا أراد أن ينام ، ويهيئ له طهوره ويحمل معه المطهرة إذا قام إلى الوضوء . اهـ .

وحاصله أنه لشدة ملازمته له - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأمور ينبغي أن يكون عنده من العلم الشرعي ما يستغني طالبه عن غيره ، وفيه إشعار بما ذكر في آداب المتعلمين من أن الطالب أولا يحيط بعلم علماء بلده ، ثم يرتحل إلى غيره من البلدان في طلب زيادة البيان من الأعيان . ( وفيكم ) ، أي : وأليس فيكم ( الذي أجاره الله ) ، أي : أنقذه وخلصه ( من الشيطان على لسان نبيه ) ؟ أي بناء على لسانه مما صدر عنه من دعائه ( يعني ) : أي يريد أبو الدرداء ( عمارا ) ، وهذا قول بعض الرواة ( أو ليس فيكم صاحب السر ) ، أي : صاحب سر النبي - صلى الله عليه وسلم - ( الذي لا يعلمه ) ، أي : ذلك السر ( غيره ) ؟ أي غير حذيفة قيل : من تلك الأسرار أسرار المنافقين وأنسابهم ، أسر بها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دل عليه حديثه المذكور قبل هذا ( يعني حذيفة ) .

قال المؤلف : عمار بن ياسر العبسي ، مولى بني مخزوم وحليفهم ، وذلك أن ياسرا والد عمار قدم مكة مع أخوين له يقال لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهم رابع ، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن ، وأقام ياسر بمكة ، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة ، فزوجه أمة له يقال لها : سمية ، فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة ، فعمار مولى وأبوه حليف ، أسلم عمار قديما ، وكان من المستضعفين الذين عذبوا بمكة ليرجعوا عن الإسلام ، وأحرقه المشركون بالنار ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر به فيمر يده عليه ويقول : " يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم " .

وهو من المهاجرين الأولين ، وشهد بدرا والمشاهد كلها ، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الطيب المطيب ، قتل بصفين ، وكان مع علي بن أبي طالب سنة سبع وثلاثين ، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ، روى عنه جماعة منهم : علي وابن عباس - رضي الله عنهم - وأما حذيفة ؟ فهو ابن اليمان واسم اليمان حثيل بالتصغير ، واليمان لقبه ، وكنيته حذيفة أبو عبد الله العبسي بفتح العين وسكون الباء ، روى عنه عمر وعلي وأبو الدرداء وغيرهم من الصحابة والتابعين ، مات بالمدائن وبها قبره سنة خمس وثلاثين ، وقيل : ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة . ( رواه البخاري ) . وكذا النسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية