صفحة جزء
694 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي ) . متفق عليه .


694 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين بيتي ومنبري ) : المراد بالبيت بيت سكناه ، وقيل : قبره لما جاء في حديث آخر : ( ما بين قبري ومنبري ) : ولا منافاة بينهما ; لأن قبره في بيته ، قيل : أراد بما بينهما المحراب لأنه بين المنبر وبين بيته ، لأن باب حجرته كان مفتوحا إلى المسجد . وفي رواية عند الطبراني : ما بين حجرتي ومصلاي . ( روضة من رياض الجنة ) : قيل : معناه أن الصلاة والذكر فيما بينهما يؤديان إلى روضة من رياض الجنة ، وهذا كما جاء في الحديث : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) وفي الحديث : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) أي : برها وصلتها ، والتحمل عنها يوصل إلى دار اللذات . وفي حديث : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ) قيل : وما رياض الجنة يا رسول الله ; قال : ( المساجد ) . وفي رواية : ( حلق الذكر ) . قال التوربشتي : وإنما سمى تلك البقعة المباركة روضة ; لأن زوار قبره وعمار مسجده من الملائكة والجن والإنس ، لم يزالوا مكبين فيها على ذكر الله سبحانه وعبادته إذا صدر عنها فريق ورد عليها آخرون ، كما جعل حلق الذكر رياض الجنة قال : ( ومنبري على حوضي ) : أي : على حافته ، فمن شهده مستمعا إلي أو متبركا بذلك الأثر شهد الحوض ، ونبه عليه السلام على أن المنبر مورد القلوب الصادئة في بيداء الجهالة ، كما أن الحوض مورد الأكباد الظامئة في حر القيامة ، ويحتمل أن يراد هذا الكلام ما لا تهتدي إليه عقولنا ، كذا نقله الطيبي ، وقال مالك : الحديث باق على ظاهره ، والروضة قطعة نقلت

[ ص: 590 ] من الجنة وستعود إليها وليست كسائر الأرض تفنى وتذهب . قال ابن حجر : وهذا عليه الأكثر وهي من الجنة الآن حقيقة ، وإن لم تمنع نحو الجوع لاتصافها بصفة دار الدنيا ، وقيل : يعيد الله منبره على حاله فينصبه على حوضه . قال ابن حجر : وهذا هو الأولى أيضا لأن الأصل بقاء اللفظ على ظاهره الممكن ، والله أعلم .

قال ابن الملك وروي : ومنبري على ترعة حوضي ، والترعة على ما في النهاية : الروضة على المكان المرتفع خاصة ، وقيل : هي الدرجة ، وقيل : الباب ، وقيل : ترعة الحوض مفتح الماء إليه ، ثم قال : وهذا يدل على أن يكون له عليه السلام في الآخرة منبر ، ويجوز أن يراد منبره في الدنيا ، وفيه تنبيه على استمداده عليه السلام من الحوض الزاخر النبوي ، وفيه إشارة إلى أن كلا منهما متعلق بالآخر لا مطمع لأحد في الآخر دون الاتعاظ بالأول .

وقال ابن حزم : ظن بعض الأغبياء أن تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة ، وأن الأنهار سيحان وجيحان والفرات والنيل مهبطة من الجنة ، وهذا باطل لأن الله تعالى يقول في الجنة : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا الروضة ، فصح أن قوله : من الجنة إنما هو لفضلها ، وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة ، وأن تلك الأنهار لطيبها وبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول في اليوم الطيب : هذا من أيام الجنة ، وكما قيل في الضأن : إنها من دواب الجنة ، وقد جاء أن حلق الذكر من رياض الجنة

وتعقبه ابن حجر : بأن الآية لا تدل له ; لأن تلك القطعة لما نزلت إلى الأرض أعطيت أحكامها ، ومن ثم لو حلف داخلها أنه دخل الجنة حنث واعترى من بها الجوع ونحوه ، ومجرد سلب ذلك عنها لا يقتضي سلب كونها من الجنة عنها ، وفائدة كونها منها - مع نفي أوصافها عنها - غاية تشريف مسجده عليه السلام بأن فيه قطعة من نفس أرض الجنة ، كما صح في الحجر الأسود والمقام : أنها ياقوتتان من الجنة ، ولولا ما طمس من نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب . وصح عن ابن عباس - ومثله لا يقال من قبل الرأي يعني فهو في حكم المرفوع : أن الحجر نزل من الجنة ياقوتة بيضاء ، وأن الله غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة يعني : ليكون الإيمان غيبيا لا عينيا ، وأنه أنزل في محل الكعبة قبل وجودها ليتأنس به آدم ، وحرسه بصف من الملائكة ; لئلا ينظر الجن والإنس إليه ، لأنه من الجنة . ومن نظر إلى الجنة دخلها ، فكما أن هذين من الجنة حقيقة ، ولا يمكن لابن حزم تأويلهما ، فكذا ما نحن فيه وما زعمه في تلك الأنهار - وليس بصحيح أيضا . والأحاديث الصحيحة بأنها من الجنة حقيقة ، لكنها لما نزلت إلى الأرض اكتسبت أوصافها أيضا - وقوله كما تقول في اليوم الطيب إلخ . لا دليل فيه لأن الحقيقة في تلك المثل وما أشبهها من نحو : الجنة تحت ظلال السيوف . مستحيلة بخلاف ما نحن فيه . ( متفق عليه ) : ورواه أبو داود قاله ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية