صفحة جزء
814 - وعن أنس رضي الله عنه - أن رجلا جاء فدخل الصف ، وقد حفزه النفس فقال : الله أكبر ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال : أيكم المتكلم بالكلمات ؟ فأرم القوم ، فقال : أيكم المتكلم بالكلمات ؟ " فأرم القوم ، فقال أيكم المتكلم بها ؟ فإنه لم يقل بأسا ، فقال رجل : جئت وقد حفزني النفس فقلتها ، فقال : لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها ، رواه مسلم .


814 - ( وعن أنس أن رجلا جاء فدخل الصف ، وقد حفزه ) : بالفاء والزاي أي جهده وضاق به ( النفس ) : يعني : حركة النفس من كثرة السرعة في الطريق إلى الصلاة لإدراكه كذا في المفاتيح ، وقال التوربشتي : أي اشتد به ، والحفز : تحريك الشيء من خلفه يريد النفس الشديد المتتابع كأنه يحفزه ، أي : يدفعه من السباق إلى الصلاة اهـ ، ففي كلام التوربشتي لا إشكال .

وأما كلام الطيبي أن سببه شدة عدوه حذرا من أن تفوته الجماعة فينافيه قوله عليه السلام : ( إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، بل ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار ، فما أدركتم فأتموا وما فاتكم فاقضوا " فأجاب ابن حجر بأنه محمول على ما ذهب إليه بعض أئمتنا من أن محل الكراهة فيمن علم أنه يدرك الجماعة لو لم يسع ، أما من علم أنه لا يدركها إلا أن يسعى فلا يكره له السعي ، ثم قال : والأرجح عندنا أنه لا فرق ، وعدم إنكاره - عليه السلام - على تقدير علمه بالعدو ، إنما يدل على الجواز لا على نفي الكراهة ، والكلام في غير الجمعة ، أما هي فيجب السعي إذا توقف عليه إدراكها ، وهو إنما يحصل بإدراك ركوع الركعة الثانية اهـ .

( فقال ) ، أي : الرجل ( الله أكبر ، الحمد لله حمدا كثيرا ) ، أي : يترادف مدده ولا تنتهي مدده ، قال الطيبي : منصوب بمضمر يدل عليه الحمد ، ومحتمل أن يكون بدلا منه جاريا على محله ، وقوله " طيبا " : وصف له ، أي : خالصا عن الرياء والسمعة ، وقوله " مباركا فيه " : يقتضي بركة وخيرا كثيرا يترادف إرفاده ويتضاعف إمداده ، قال ابن الملك : أي حمدا جعلت البركة فيه يعني حمدا كثيرا غاية الكثرة ، وقيل : مباركا بدوام ذاته وكمال غاياته ( فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي أدى ( صلاته قال : " أيكم المتكلم بالكلمات ) ، أي : المذكورات المسموعة آنفا ( فأرم القوم ) : قال محيي السنة : هو بفتح الراء المهملة وتشديد الميم ، أي : سكتوا ، وفي النهاية هذا هو المشهور ، وقال القاضي عياض : وقد روي في غير صحيح مسلم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك ، وهو صحيح معنى اهـ ، وهو كذا في نسخة وأخطأ ابن حجر حيث قال بفتح الزاي وتشديد الميم ، وفي رواية في غير مسلم بالراء المفتوحة وتخفيف الميم من الأرم وهو الإمساك اهـ ، ( قال : " أيكم المتكلم بها ) : وفي نسخة صحيحة فقال : " أيكم المتكلم بالكلمات ( فأرم القوم قال : أيكم المتكلم بها ) : اعلم أن في نسخة الشيخ عفيف الدين الكازروني بلفظ : فأرم القوم مرة واحدة ولفظ : أيكم المتكلم بها ، وفي نسخة الشيخ نور الدين الإيجي " بالكلمات " بدل " بها " ، وفي نسخة الشيخ عبد الرحمن : أيكم المتكلم بالكلمات فأرم القوم مذكور مرتين ، ثم [ ص: 677 ] في المرة الثالثة : أيكم المتكلم بها ( فإنه لم يقل بأسا ) : قال الطيبي : يجوز أن يكون مفعولا به ، أي : لم يتفوه بما يؤخذ عليه ، وأن يكون مفعولا مطلقا ، أي : ما قال قولا يشدد عليه ( فقال رجل ) : الظاهر فقال الرجل : ( جئت وقد حفزني النفس فقلتها ) ، أي : الكلمات ( فقال : " لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها ) ، أي : ثواب هذا الكلمات ، قال ابن الملك : يعني يسبق بعضهم بعضا في كتب هذه الكلمات ، ورفعها إلى حضرة الله لعظمها وعظم قدرها ، وتخصيص المقدار يؤمن به ، ويفوض إلى علمه تعالى اهـ .

ويمكن أن يكون إشارة إلى عدد الكلمات فإنها اثنتا عشرة كلمة ، والله أعلم ( أيهم يرفعها ) : مبتدأ وخبر ، والجملة في موضع نصب ، أي : يبتدرونها ويستعجلون أيهم يرفعها ، قال أبو البقاء في قوله تعالى : إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم أيهم مبتدأ وخبر في موضع نصب ، أي : يقترعون أيهم ، فالعامل فيه ما دل عليه يلقون ، كذا ذكره الطيبي ، وقيل : المراد أيهم يرفعها أول ، ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية