صفحة جزء
920 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال : قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " ، متفق عليه .


920 - ( وعن أبي حميد ) : بالتصغير ، واختلف في اسمه ( الساعدي قال : قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ " ) : جاء في بعض طرق الحديث بسند جيد سبب هذا السؤال ولفظه لما نزلت : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قالوا : يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمنا ما هو ، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك ؟ ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : اللهم " ) ، أي : يا ألله فالميم عوض عن ياء ، ومن ثم شذ الجمع بينهما ، وقيل : الميم مقتطعة من جملة أخرى ، أي : يا ألله أمنا بخير ، وقيل : زائدة للتفخيم ، وقيل : دالة على الجمع كالواو ، أي : يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ، ويؤيده قول الحسن البصري : اللهم مجتمع الدعاء ، وقول النضر بن شميل : من قال : اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه ، وقول أبي رجاء : الميم هاهنا فيها تسعة وتسعون اسما لله تعالى ( " صل على محمد " ) : هو علم منقول من اسم مفعول المضعف سمي به بإلهام من الله لجده عبد المطلب ، ليحمده أهل السماء والأرض ، وقد حقق الله رجاءه ، ومن ثم كان يقول : كما أخرجه البخاري في تاريخه :


وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

.

وهو أشهر أسمائه ; لأن الله جمع له من المحامد وصفات الحمد ما لم يجمعه لغيره ، ومن ثم كان بيده لواء الحمد ، وكان صاحب المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون ، وألهم من مجامع الحمد حين يسجد بين يدي ربه للشفاعة العظمى في فصل القضاء التي هي المقام المحمود ، ما لم يفتح به عليه قبل ذلك ، وسميت أمته الحمادين لحمدهم على السراء والضراء ، وأما أحمد فلم يسم به غيره قط ، وأما محمد فكذلك قبل أوان ظهوره ، وبعده مد أناس أعناقهم إلى رجائهم ، غفلة عن أن ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، فسموا أبناءهم محمدا حتى بلغوا خمسة عشر نفسا ، هذا وقد قال بعض العلماء : إن زيادة : " وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت على إبراهيم " كما يقوله بعض الناس ، وربما يقولون : ترحمت بالتاء ، لم يرد ، بل غير صحيح إذ لا يقال : رحمت عليه ، ولأن الترحم فيه معنى التكلف والتصنع ، فلا يحسن إطلاقه على الله تعالى ، وقال النووي : هي بدعة لا أصل لها ، ووافقه بعض أئمتنا ، بل نقل ابن دحية أنه لا مجوز ؛ حيث قال : قالوا : ينبغي لمن ذكره صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه ، ولا يجوز أن يترحم عليه لآية : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم ، وإن كانت الصلاة بمعنى الرحمة ، فكأنه خص هذا اللفظ تعظيما اهـ ، ووجهه بعض علمائنا بأن الرحمة إنما تكون غالبا من فعل ما يلام عليه ونحن أمرنا بتعظيمه اهـ .

وبعض المحدثين قالوا رواية زيادة : " وترحم على محمد وآل محمد ، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " حديث حسن ، والله أعلم ، ثم عمد بعض حفاظ المتأخرين إلى جمع ما تفرق في الروايات الثابتة مدعيا أنه هو أفضل على الإطلاق ، وتعقبه بعض المتأخرين من الشافعية والحنابلة أن التلفيق يستلزم إحداث صفة لم ترد مجموعة في حديث واحد ، فالأولى الإتيان بكل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة ، وهكذا ، وعندي أن هذا هو الصحيح ، ( وأزواجه وذريته " ) : بضم المعجمة قال ابن حجر : ويجوز كسرها من الذرء ، أي : الخلق وسقطت الهمزة أو من ذر ، أي : فرق ، أو من الذر وهو النمل الصغير لخلقهم أولا على صورته ، أي : أولاده وأولاد أولاده ، قال ابن حجر : وهي نسل الإنسان من ذكر أو أنثى ، وعند أبي حنيفة وغيره : لا يدخل فيه أولاد البنات إلا أولاد بناته عليه السلام ; لأنهم ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، فهم هنا أولاد فاطمة رضي الله عنها ، وكذا غيرها من بناته ، لكن بعضهن لم يعقب وبعضهن انقطع عقبه ، ( كما صليت على إبراهيم ) : كذا في النسخ المصححة ، وقال ابن حجر : على إبراهيم ، وفي نسخة على آل إبراهيم .

[ ص: 742 ] قال الطيبي : فإن قلت : ( كما صليت على آل إبراهيم ) ، كيف يوافق ما تقدم حيث لم يذكر فيه إبراهيم ، كما ذكر في محمد صلى الله عليه وسلم ؟ أجاب القاضي : بأن الآل مقحم كما في قوله عليه السلام لأبي موسى : " أنه أعطي مزمارا من مزامير آل داود " ولم يكن له آل مشهور بحسن الصوت ، وفيه أن إبراهيم له آل مشهور ، فالأحسن أن يقال كقوله تعالى : مما ترك آل موسى وآل هارون قيل : يمكن أن يقال : هذا الحديث يساعد القول الأول في الحديث السابق أن السؤال كان عن الصلاة على الأهل ، فيكون ذكر محمد تمهيدا لذكر الأهل تشريفا لهم وتكريما ، وفيه أنه يلزم أن يكون حينئذ المقصود بالصلاة هو الأهل ، والصواب أنه هو الأصل المقصود في الصلاة ، وآله تبع له تشريفا وتعظيما له ، ويشير إليه ما قال النووي : الصحيح أن الصلاة على غير الأنبياء ابتداء مكروهة كراهة تنزيه ، لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عنه ، وقال أبو محمد الجويني : السلام كالصلاة ، يعني : لا يجوز على غير الأنبياء والملائكة إلا تبعا ، ( " وبارك " ) ، أي : زد البركة وهو الخير الكثير ( " على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم " ) : وفي نسخة : على إبراهيم ، وفي رواية أحمد ذكر إبراهيم في الصلاة وذكر آله في البركة ، وفيها مناسبة لقوله تعالى : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( " إنك حميد مجيد ، متفق عليه " ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية