89 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) : رضي الله عنهما ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن قلوب بني آدم ) أي : هذا الجنس ، وخص لخصوصية قابلية التقليب به ، وأكد بقوله ( كلها ) : ليشمل الأنبياء ، والأولياء ، والفجرة ، والكفرة من الأشقياء . قال التوربشتي : ليس هذا الحديث مما يتنزه السلف عن تأويله كأحاديث السمع ، والبصر ، واليد ، وما يقاربها في الصحة ، والوضوح ، فإن ذلك يحمل على ظاهره من غير أن يشبه بمسميات الجنس ، أو يحمل على معنى الاتساع والمجاز ، بل يعتقد أنها صفات الله لا كيفية لها ، وإنما تنزهوا عن تأويل القسم الأول لأنه لا يلتئم معه ، ولا يحمل ذلك على وجه يرتضيه العقل إلا ويمنع منه الكتاب والسنة من وجه آخر ، وأما مثل هذا الحديث [ ص: 162 ] فليس في الحقيقة من أقسام الصفات ، ولكن ألفاظ مشاكلة لها في وضع الاسم ، فوجب تخريجه على وجه يناسب نسق الكلام . قيل : المتشابه قسمان . الأول لا يقبل التأويل ، ولا يعلم تأويله إلا الله كالنفس في قوله : ( ولا أعلم ما في نفسك ) والمجيء في ( جاء ربك ) وفواتح السور ، والثاني يقبله ذكر شيخ الشيوخ السهروردي قدس الله سره أخبر الله ورسوله بالاستواء ، والزوال ، واليد ، والقدم ، والتعجب ، وكل ما ورد من هذا القبيل دلائل التوحيد فلا يتصرف فيه بتشبيه ، وتعطيل . قيل : هذا هو المذهب المعول ، وعليه السلف الصالح ، ومن ذهب إلى القول الأول شرط في التأويل أن كل ما يؤدي إلى تعظيم الله فهو جائز ، وإلا فلا . قال ابن حجر : أكثر السلف لعدم ظهور أهل البدع في أزمنتهم يفوضون علمها إلى الله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي لا يليق بجلال ذاته ، وأكثر الخلف يؤولونها بحملها على محال تليق بذلك الجلال الأقدس ، والكمال الأنفس لاضطرارهم إلى ذلك لكثرة أهل الزيغ والبدع في أزمنتهم ، ومن ثم قال إمام الحرمين : لو بقي الناس على ما كانوا عليه لم نؤمر بالاشتغال بعلم الكلام ، وأما الآن فقد كثرت البدع فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم ، وأصل هذا اختلافهم في الوقف في قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) فالأكثرون على الوقف على الجلالة ، والأقلون على الوقف على ( العلم ) ، ومن أجلهم ابن عباس فكان يقف عليه ، ويقول حملا للناس على سؤاله ، والأخذ عنه : أنا من الراسخين في العلم ، على أنه يمكن رفع الخلاف بأن المتشابه على قسمين : ما لا يقبل تأويلا قريبا فهذا محمل الوقف الأول ، وما يقبله فهذا محمل الثاني ، ومن ثم اختار بعض المحققين قبول التأويل إن قرب من اللفظ ، واحتمله وضعا ، ورده إن بعد عنه ، والحاصل أن السلف ، والخلف مؤولون لإجماعهم على صرف اللفظ عن ظاهره ، ولكن تأويل السلف إجمالي لتفويضهم إلى الله تعالى ، وتأويل الخلف تفصيلي لاضطرارهم إليه لكثرة المبتدعين . ( بين إصبعين ) : بكسر الهمزة ، وفتح الباء هو المشهور ، وإلا ففيه تسع لغات . قال في القاموس : الأصبع مثلث الهمزة والباء ( من أصابع الرحمن ) : إطلاق الأصبع عليه تعالى مجاز أي : تقليب القلوب في قدرته يسير ، يعني أنه تعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء لا يمتنع منها شيء ، ولا يفوته ما أراده ، كما يقول : فلان في قبضتي أي : كفي ، لا يراد أنه في كفه ، بل المراد أنه تحت قدرتي ، وفلان بين أصبعي أقلبه كيف شئت أي : إنه هين علي قهره ، والتصرف فيه كيف شئت ، وقيل : المراد بأصبعين صفتا الله ، وهما صفة الجلال والإكرام ، فبصفة الجلال يلهمها فجورها ، وبصفة الإكرام يلهمها تقواها . أي : يقلبها تارة من فجورها إلى تقواها ، وتارة من تقواها إلى فجورها . وقيل معناه بين أثرين من آثار رحمته ، وقهره أي : قادر أن يقلبها من حال إلى حال من الإيمان والكفر ، والطاعة ، والعصيان . قال القاضي : نسب تقليب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تعالى تولى بذاته أمر قلوبهم ، ولم يكله إلى أحد من ملائكته ، وخص الرحمن بالذكر إيذانا بأن ذلك التولي محض رحمته كيلا يطلع أحد غيره على سرائرهم ، ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ، وقوله كقلب واحد : بالوصف يعني كما أن أحدكم يقدر على شيء واحد ؛ الله تعالى يقدر على جميع الأشياء دفعة واحدة لا يشغله شأن عن شأن ، ونظيره قوله تعالى : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) قيل : ليس المراد أن التصرف في القلب الواحد أسهل بالقياس إليه ، إذ لا صعوبة بالقياس إليه تعالى ، بل ذلك راجع إلى العباد إلى ما عرفوه فيما بينهم . ( يصرفه ) بالتشديد أي : يقلب القلب الواحد ، أو جنس القلب ، وفي بعض نسخ المصابيح بتأنيث الضمير أي : القلوب ، كذا ذكره العيني ، وهو تحقيق لوجه الشبه ( كيف يشاء ) : حال على تأويل هينا سهلا لا يمنعه مانع ، أو مصدر أي : تقليبا سريعا سهلا ، وفي كتاب الحميدي ، وفي مسلم حيث يشاء قاله العيني . ( ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ( اللهم ) : أصله يا الله فحذف حرف النداء ، وعوض عنه الميم ، ولذا لا يجتمعان . وقيل : [ ص: 163 ] أصله يا الله أمنا بخير أي : اقصدنا فحذف ما حذف اختصارا ، مصرف القلوب : بالإضافة صفة اللهم عند المبرد والأخفش لأن ( يا ) لا يمنع من الوصف فكذا بدلها ، ومنادى برأسه عند سيبويه ، وقد حذف منه النداء لأن ضم الميم للجلالة منع وصفها ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10355740صرف قلوبنا على طاعتك ) أي : إليها ، أو ضمن معنى التثبيت ، ويؤيده ما ورد : nindex.php?page=hadith&LINKID=10355741اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قيل ، وفيه إرشاد للأمة ، والظاهر أن كل أحد من العباد كما أنه مفتقر إليه تعالى في الإيجاد ؟ لا يستغني عنه ساعة من الإمداد ( رواه مسلم ) .