90 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من مولود ) أي : من الثقلين ( إلا يولد على الفطرة ) قيل : مولود : مبتدأ ، خبره : يولد أي : ما من مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر ، والفطرة : تدل على نوع من الابتداء والاختراع الذي هو معنى الفطرة كالجلسة ، واللام فيه إشارة إلى معهود ، وهو قوله : ( فطرة الله ) وهي الإيمان إذ المراد بأقم وجهك للدين حنيفا اثبت على إيمانك القديم الواقع منك في عالم الذر ( يوم ) ألست بربكم ، ويؤيد ذلك رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وغيره : الملة بدل الفطرة ؛ لأن ماصدقهما واحد . قال تعالى : ( دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ) كذا ذكره ابن حجر ، والظاهر أن الملة أخص من الدين ، ولذا قيل باتحاد دين الأنبياء ، وهو الإسلام والتوحيد ، واختلاف مللهم لاختلاف شرائعهم ، وفي معنى هذا الحديث : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10355743خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وأنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ) ، والمعنى ما أحد يولد إلا على هذا الأمر الذي هو تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة ، والتهيؤ لقبول الدين ، فلو ترك على تمكنه ، وتهيؤه المذكورين لاستمر على الهدى والدين ، ولم يفارقه إلى غيره لأن حسنه ركز في النفوس فلم يقع لها عدول عنه إلا لآفة بشرية ، أو تقليد للغير ، ولذا قال تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) فجعل الهدى رأس المال الحاصل عندهم ، ثم عرضوه للزوال ببذله في أخذهم الضلالة البعيدة عنهم ( فأبواه يهودانه ) : بتشديد الواو أي : يعلمانه اليهودية ، ويجعلانه يهوديا ( أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) : والفاء إما للتعقيب ، وهو ظاهر ، وإما للتسبب أي : إذا كان كذا فمن تغير كان بسبب أبويه غالبا ( كما تنتج البهيمة ) : صفة المصدر محذوف ، وما مصدرية أي : يولد على الفطرة ولادة مثل نتاج البهيمة ، أو يغيرانه تغييرا كتغييرهم البهيمة ، وقيل : حال أي : مشبها شبه ولادته على الفطرة بولادة البهيمة السليمة غير أن السلامة حسية ، ومعنوية ، وعلى التقديرين الأفعال الثلاثة أي : يهودانه ، وما عطف عليه تنازعت في كما تنتج المفيد لتشبيه ذلك المعقول بهذا المحسوس المعاين ليتضح به أن ظهوره بلغ في الكشف ، والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد في العيان ، وهو يروى على البناء للفاعل ، وهو الأصح ، وعلى بناء المفعول يقال : نتج الناقة ينتجها إذا تولى نتاجها حتى وضعت ، فهو ناتج ، وهو للبهائم كالقابلة للنساء ، والأصل نتجها أهلها ولدا ، ولذا يتعدى إلى مفعولين فإذا بني للمفعول الأول قيل نتجت ولدا إذا وضعت ، وإذا وضعت للثاني قيل : نتج الولد إذا وضعته ( بهيمة ) ، وقيل : مصغرة ، ونصبها على أنه مفعول ثان لتنتج ، والأول أقيم مقام فاعله ، وقيل : إنه منصوب على الحال بتقدير كون تنتج مجهولا أي : ولدت في حال كونها بهيمة ، أو على أنه مفعول إذا كان معروفا من نتج إذا ولد ، وأغرب ابن حجر حيث قال : تنتج بالبناء للمفعول لا غير . ( جمعاء ) أي : سليمة الأعضاء كاملتها سميت بذلك لاجتماع سلامة أعضائها من نحو جدع ، وكي ( هل تحسون فيها ) ، أي : في البهيمة الجمعاء ، والمراد بما الجنس ، وتحسون بضم التاء ، وكسر الحاء ، وقيل : [ ص: 164 ] بفتح التاء ، وضم الحاء أي : هل تدركون ، والجملة في موضع الحال أي : بهيمة سليمة مقولا في حقه هذا القول ، وفيه نوع من التأكيد يعني كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها ، وقيل هو صفة أخرى بتقديره مقولا في حقها ( من جدعاء ؟ ) : بالمهلمة أي : مقطوعة الأذن . وفي المصابيح : حتى تكونوا أنتم تجدعونها . قيل : تخصيص الجدع إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر إنما كان لصمهم عن الحق . ( ثم يقول ) : ظاهره أنه من بقية الحديث المرفوع ، وليس كذلك ، بل هو من كلام ) nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أدرجه في الحديث بينه مسلم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، ولفظه : ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) الآية كذا قاله الشيخ ابن حجر في شرح صحيح البخاري . أقول : وكذا وقع التصريح بذلك في رواية البخاري من طريق يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن أبي سلمة الرازي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولفظه : ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) . أخرجه من كتاب الجنائز . كذا حققه ميرك شاه . قال الطيبي : الظاهر ثم قرأ ، فعدل إلى القول ، وأتى بالمضارع لحكاية الحال استحضارا كأنه يسمع منه - عليه الصلاة والسلام - الآن اهـ .
وفيه : أن العلة المذكورة لا تصلح أن تكون للعدول إلى القول ، فالأظهر ما قاله ابن حجر : إن ظاهر السياق : ثم قرأ فعدل عنه لفظا ، إشارة فيما يظهر - والله أعلم - أن اللفظ القرآني في مقام الاستدلال لا تجري عليه أحكام القرآن ؛ لأن ذكره للاستدلال به صارف له عن القرآنية اهـ .
ويؤيده ترك الاستعاذة في ابتدائه ، ثم قوله : ( فطرة الله ) أي : الزموها ، وهي ما ذكر من الاستعداد للمعرفة ( التي فطر الناس عليها ) أي : خلقهم ابتداء وجبلهم عليها ( لا تبديل لخلق الله ) أي : فيكم من قبول الإسلام ، وهو مؤول بأنه من شأنه أو الغالب فيه أنه لا يبدل ، أو يقال الخبر بمعنى النهي ، ولا يجوز أن يكون إخبارا محضا لحصول التبديل ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة في معنى الحديث : هذا عندنا حيث أخذ الله العهد في أصلاب آبائهم فقالوا : بلى . قال الخطابي : هذا معنى حسن ، وكأنه ذهب إلى أنه لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا ، إنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة . ألا ترى أنه يقول : ( فأبواه يهودانه ) ، في حكم الدنيا ، فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين . قيل : وتلخيصه أن العالم إما عالم الغيب ، وإما عالم الشهادة ، فإذا نزل الحديث على عالم الغيب أشكل معناه ، وإذا صرف إلى عالم الشهادة الذي عليه مبنى ظاهر الشرع سهل تعاطيه ، وتحريره : أن الناظر إذا نظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب ، وأنه ولد على الخلقة التي خلق الله الناس عليها من الاستعداد للمعرفة ، وقبول الحق ، والتأبي عن الباطل ، والتمييز بين الخطأ والصواب ، حكم بأنه إن ترك على ما هو عليه ، ولم يعتوره من الخارج ما يصده عن النظر الصحيح من التقليد والإلف بالمحسوسات ، والانهماك في الشهوات استمر على ما كان عليه من الفطرة السليمة ، ولم يختر عليه شيئا ، وينظر ما نصب من الدلائل على التوحيد ، وصدق الرسول ، وغير ذلك نظرا صحيحا يوصله إلى الحق ، ويهديه إلى - الرشد ، وعرف الصواب ، واتبع الحق ، ودخل في الملة الحنيفية ، ولم يلتفت إلى ما سواها ، لكن يصده عن ذلك أمثال هذه العوائق ، ونظير ذلك : أم الغلام الذي قتله الخضر ، فإن موسى - عليه الصلاة والسلام - نظر إلى عالم الشهادة ، وظاهر الشرع فأنكر ، والخضر - عليه الصلاة والسلام - نظر إلى عالم الغيب ، وأنه طبع كافرا فقتله ، ولذلك اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى - عليه الصلاة والسلام - عن الاعتراض كذا قالوه ، ولعل معنى أنه طبع كافرا أي : خلق ، وقدر ، وجبل أنه لو عاش يصير كافرا ؟ لئلا يناقضه هذا الحديث . ( ذلك ) ، أي : التوحيد الذي هو معنى الفطرة هو ( الدين القيم ) أي : المستقيم الذي لا عوج له ، ولا ميل إلى تشبيه وتعطيل ولا قدر ، ولا جبر . ( متفق عليه ) .