صفحة جزء
1088 - وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " ، قال أبو مسعود : فأنتم اليوم أشد اختلافا . رواه مسلم .


1088 - ( وعن أبي مسعود الأنصاري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا ) أي : يضع يده على أعطافنا حتى لا نتقدم ولا نتأخر ( في الصلاة ) أي : في حال إرادة الصلاة بالجماعة ( ويقول ) أي : حال تسوية المناكب على ما هو الظاهر ( استووا ) أي : ظاهرا وباطنا ( ولا تختلفوا ) أي : بالأبدان ( فتختلف ) : بالتأنيث ، وقيل : بالتذكير ( قلوبكم ) أي : أهويتها وإرادتها ، قال الطيبي : فيختلف بالنصب ، أي على جواب النهي ، وفي الحديث : إن القلب تابع للأعضاء ، فإذا اختلفت اختلف ، وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها . قلت : القلب ملك مطاع ورئيس متبع ، والأعضاء كلها تبع له ، فإذا صلح المتبوع صلح التبع ، وإذا استقام الملك استقامت الرعية ، ويبين ذلك الحديث المشهور : " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد ، وإذا فسدت فسد الجسد ، ألا وهي القلب " . فالتحقيق في هذا المقام أن بين القلب والأعضاء تعلقا عجيبا ، وتأثيرا غريبا بحيث أنه يسري مخالفة كل إلى الآخر ، وإن كان القلب مدار الأمر إليه . ألا ترى أن تبريد الظاهر يؤثر في الباطن ، وكذا : بالعكس ، وهو أقوى . ( ليلني منكم ) : قال النووي : بكسر اللام وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد ذكره الطيبي ، وفي المصابيح : " ليليني " قال شارحه : الرواية بإثبات الياء وهو شاذ ; لأنه من الولي بمعنى القرب ، واللام للأمر فيجب حذف الياء للجزم . قيل : لعله سهو من الكاتب ، أو كتب بالياء ; لأنه الأصل ، ثم قرئ كذا . أقول : الأولى أن يقال إنه من إشباع الكسرة ، كما قيل في : لم تهجو ولم تدعي ، أو تنبيه على

[ ص: 850 ] الأصل كقراءة ابن كثير ( إنه من يتقي ويصبر ) أو أنه لغة في أن سكونه تقديري ( أولو الأحلام ) : جمع حلم بالكسر كأنه من الحلم والسكون والوقار والأناة والتثبت في الأمور ، وضبط النفس عن هيجان الغضب ، ويراد به العقل ; لأنها من مقتضيات العقل وشعار العقلاء ، وقيل : أولو الأحلام : البالغون ، والحلم بضم الحاء والبلوغ وأصله ما يراه النائم . ( والنهى ) : بضم النون جمع نهية ، وهو العقل الناهي عن القبائح ، أي : ليدن مني البالغون العقلاء لشرفهم ومزيد تفطنهم وتيقظهم وضبطهم لصلاته ، وإن حدث به عارض يخلفوه في الإمامة .

قال الطيبي : أمر بتقدم العقلاء ذوي الأخطار والعرفان ليحفظوا صلاته ، ويضبطوا الأحكام والسنن ، فيبلغوا من بعدهم ، وفي ذلك مع الإفصاح عن جلالة شأنه حث لهم على تلك الفضيلة ، وإرشاد لمن قصر حالهم عن المساهمة معهم في المنزلة إلى تحري ما يزاحمهم فيها . ( ثم الذين يلونهم ) : كالمراهقين ، أو الذين يقربون الأولين في النهى والحلم ، ( ثم الذين يلونهم ) : كالصبيان المميزين ، أو الذين هم أنزل مرتبة من المتقدمين حلما وعقلا ، والمعنى أنه هلم جرا ، فالتقدير : ثم الذين يلونهم كالنساء ، فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق ، وقيل : المراد بهم الخناثى ، ففيه إشارة إلى ترتيب الصفوف .

( قال أبو مسعود ) : أي المذكور ( فأنتم اليوم أشد اختلافا ) : قال الطيبي : هذا خطاب للقوم الذين هيجوا الفتن ، وأراد أن سبب هذا الاختلاف والفتن عدم تسوية صفوفكم اهـ . وقيل : يحتمل أن المراد بأشد أصل الفعل وعدل عنه إلى ذلك للمبالغة . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية