صفحة جزء
1139 - وعن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا ، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن ، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا ، فلما انصرف قال : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا لك الحمد ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " . قال الحميدي : قوله : " إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " هو في مرضه القديم ، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم . هذا لفظ البخاري . واتفق مسلم إلى " أجمعون " . وزاد في رواية . " فلا تختلفوا عليه ، وإذا سجد فاسجدوا " .


1139 - ( وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا ، فصرع ) : بصيغة المجهول ، أي : سقط ( عنه ، فجحش ) : بضم الجيم وكسر الحاء ، قال الطيبي : أي انخدش وجحش متعد ( شقه الأيمن ) أي : تأثر تأثرا منعه استطاعة القيام ( فصلى صلاة من الصلوات ) أي : المكتوبة ، قاله القرطبي ، وهو ظاهر العبارة ( وهو ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم ( قاعد ) . جملة حالية ( فصلينا وراءه قعودا ، فلما انصرف ) أي : بالسلام من صلاته ( قال : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ) أي : ليقتدى به ، وزاد في المصابيح : فلا تختلفوا عليه ، أي : على الإمام في الصلاة بالتقديم عليه والتأخر عنه بحيث يوهم قطع القدوة ، قاله ابن الملك . وظاهره شمول النهي عن مخالفة الإمام في هيئة الصلاة من القيام والقعود ( فإذا صلى قائما فصلوا قياما ) : مصدر ، أي : ذوي قيام ، أو جمع ، أي : قائمين ونصبه على الحالية ، ( وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع ) أي : رأسه ( فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا لك الحمد ) : وفي نسخة ضعيفة زيادة : " وإذا سجد فاسجدوا " . ( وإذا صلى ) أي : الإمام ( جالسا فصلوا جلوسا ) : جمع جالس وهو حال بمعنى جالسين ، قاله ابن الملك . ( أجمعون ) : تأكيد للضمير المرفوع في فصلوا .

وقال ابن هشام : وروي بالنصب على الحال ، أي : إذا جلس للتشهد فاجلسوا والمتشهد مصل وهو جالس ، كذا أوله بعض أئمتنا ، ولكن يأباه ظاهر صدر الحديث ، فالمعنى إذا جلس الإمام لعذر وافقه المقتدون ، فقيل : هو منسوخ بصلاته عليه السلام في مرض موته قبل موته بيوم جالسا ، والناس خلفه قياما ، وزعم أن أبا بكر كان هو الإمام غلط ، وقيل : حكمه ثابت ، وهو قول أحمد وإسحاق بن راهويه ، والأوزاعي ، وقال السيوطي : خص عليه السلام بالإمامة جالسا فيما ذكره قوم .

( قال الحميدي ) : هو من شيوخ البخاري ، وليس بصاحب الجمع بين الصحيحين ، قاله الطيبي ( قوله : " إذا صلى جالسا ) أي : بعذر ( فصلوا جلوسا " هو في مرضه القديم ) أي : حين آلى من نسائه ( ثم صلى بعد ذلك ) أي : ذلك المرض ( النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : قبل موته بيوم ( جالسا والناس خلفه قيام ) : قال الطيبي : عند أحمد وإسحاق أن الإمام إذا صلى جالسا ، أي : بعذر وافقه المأموم ، وعند مالك لا يجوز أن يؤم الناس قاعدا ، ودليل مالك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤم أحد بعدي جالسا " وهو مرسل ، ومحمول على التنزيه توفيقا بينه وبينهما . ( لم يأمرهم بالقعود ، وإنما يؤخذ ) أي : يعمل ( بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا لفظ البخاري . واتفق مسلم ) أي : معه ( إلى " أجمعون " وزاد ) أي : مسلم ( في رواية ) : وفي نسخة : في روايته ( فلا تختلفوا عليه ، وإذا ) : بالواو على الصحيح ( سجد فاسجدوا ) : ومحلهما ما ذكرناه ، وفي شرح المصابيح لابن الملك قال الشيخ الإمام قوله : فصلوا جلوسا منسوخ بما روي عن عائشة أنها قالت لما ثقل إلخ اهـ .

قيل : وزعم أن أبا بكر كان هو الإمام غلط ، ومن ثم قال الحميدي قوله : إذا صلى إلخ . واعترض بأن الثاني لا يدل على حرمة الجلوس ، بل على نسخ وجوبه ; لأنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز ، ويرد بأن القاعدة أن ما كان ممتنعا إذا جاز وجب ، فحيث انتفى وجوبه انتفى جوازه رجوعا به إلى أصله من الامتناع ، وقولهم : إذا نسخ الوجوب بقي الجواز يحمل بقرينة كلامهم هنا على ما لم تعلم حرمته قبل وجوبه .

قال ابن الهمام : اعلم أن مذهب الإمام أحمد أن القاعد إن شرع قائما ثم جلس صح اقتداء الناس به ، وإن شرع جالسا فلا . وقد علم أنه عليه السلام خرج إلى محل الصلاة قائما ثم جلس ، فالظاهر أنه قبل الجلوس ، وصرحوا في صلاة المريض أنه إذا قدر على بعضها ولو التحريمة وجب القيام فيه ، وكان ذلك متحققا في حقه عليه السلام إذ مبتدأ حلوله في ذلك المكان كان قائما ، فالتكبير قائما مقدوره حينئذ ، وإذا كان كذلك فمورد النص حينئذ اقتداء القائمين بجالس شرع قائما .

[ ص: 877 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية