1188 - ( عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ) ، أي : غالبا ( فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر ) : وهو بظاهره يشمل ما إذا كان بعد نوم أم لا . ( إحدى عشرة ) : بسكون الشين وتكسر ( ركعة ، يسلم من كل ركعتين ) ويؤيده صلاة الليل مثنى . ( ويوتر بواحدة ) ، أي : مضمومة إلى الشفع الذي قبلها كما قاله ابن الملك ، وقال ابن حجر : فيه أن أقل الوتر ركعة فردة ، والتسليم من كل ركعتين ، وبهما قال الأئمة الثلاثة . ( فيسجد السجدة من ذلك ) : قال البيضاوي : في الحديث دليل على أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر ، قال الطيبي : قيل الفاء في ( فيسجد ) داعية إلى هذا ، لكن قوله ( من ذلك ) لا يساعد عليه إلا أن يقال : ( من ) ابتدائية متصلة بالفعل ، أي : فيسجد السجدة من جهة ما صدر عنه ذلك المذكور ، فيكون حينئذ سجدة شكر ، والظاهر أن الفاء لتفصيل المجمل يعني فيسجد كل واحدة من سجدات تلك الركعات طويلة . ( قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية ) . اهـ .
ونسبة ابن حجر كلام الشارح إلى نفسه ، وقول القاضي إلى الشارح والطعن فيه غير صحيح كما هو صريح ، وقال بعض علمائنا من الشراح : قد اختلف الآراء في جواز السجدة المنفردة من غير تلاوة وشكر ، والأصح أنه حرام كالتقرب بركوع مفرد ونحوه ، والثاني يجوز ، قاله صاحب التقريب ، وذكر صاحب الروضة : سواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بين صلاة وغيرها ، وليس هذا ما يفعل كثيرون من الجهلة السجدة بين يدي المشايخ ، فإن ذلك حرام قطعا بكل حال ، سواء كانت إلى القبلة أو إلى غيرها ، وسواء قصد السجود لله تعالى ، أو غفل عنه ، و ( من ) في ( من ذلك ) للتبعيض ، والفاء للتفريع ، ومعناه قد كان بعض سجداته طويلا بقدر ما يقرأ أحد خمسين آية ( قبل أن يرفع رأسه ) ، أي : ولم يرفع رأسه بعد ، ( فإذا سكت ) : بالتاء ، وفي نسخة صحيحة بالباء ( المؤذن ) ، أي : فرغ ، قال العسقلاني : هكذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية ، وروي : ( سكب ) بالموحدة ، ومعناه صب الأذان ، والرواية المذكورة لم تثبت في شيء من الطرق ، وإنما ذكر الخطابي من طريق الأوزاعي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وقال ميرك نقلا عن التصحيح : يجوز فيه التاء المثناة من فوق وهو واضح ، ولكن قيدوه بالباء الموحدة ، كذا في الفائق للزمخشري ، والنهاية للجزري ، وقالا : أرادت عائشة إذا أذن فاستعارت السكب للإفاضة في الكلام ، كما يقال : أفرغ في أذني حديثا ، أي : ألقى وصب ، وقال في الفائق : كما يقال هضب في الحديث ، وأخذ في الخطة ، وكذا صرح به الهروي في الغريبين ( من صلاة الفجر ) ، أي : من أذانها ( وتبين له الفجر ) .
قال الطيبي : يدل على أن التبين لم يكن في الأذان ، وإلا لما كان لذلك التبين فائدة ، قلت : الظاهر أن المراد بالتبين الإسفار ، فيفيد أن الإسفار مستحب حتى في حق السنة ، ثم رأيت ابن حجر ذكر نظير ما ذكرته ، ثم قال : وأفاد الحديث ندب التغليس بالأذان ، وحكمته اتساع الوقت ليتم تهيؤ الناس للدخول في الصلاة ، ثم قال : وقول الشارح مشكل ، كأنه أراد بالإشكال وقوع الأذان قبل وقته ، وهو لا يفهم من كلامه ، بل المراد أن الأذان في الغلس ، والسنة بعد التبين الكلي ، ثم قال : ويرد قول من سلم له ذلك ، ثم أجاب عنه بأن ( سكت ) ليس بالفوقية بل بالموحدة . اهـ . وهو غير صحيح ، وبيانه في كلامنا صريح ( قام فركع ركعتين ) : هما سنة الفجر ( خفيفتين ) : يقرأ فيهما ( الكافرون والإخلاص ) ( ثم اضطجع على شقه الأيمن ) ، أي : للاستراحة عن تعب قيام الليل ليصلي فرضه على نشاط ، كذا قال ابن الملك وغيره ، وقال النووي : يستحب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر . اهـ .
وأما القول بأنه للفصل بين الفرض والسنة ، فلا وجه ; لأنه كان يصلي السنة في البيت والفرض في المسجد ، وسيأتي لهذا مزيد بحث . ( حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) ، أي : يستأذنه فيها ; لأنها منوطة بنظر الإمام ( فيخرج ) ، أي : للصلاة ( متفق عليه ) ، أي : بمجموع الحديث ، وإن لم يكن بهذا السياق في حديث واحد ، كذا نقله ميرك عن التصحيح .