1195 - ( وعن ابن عباس قال بت ) : من البيتوتة ( عند خالتي ميمونة ) : وهي أم المؤمنين ( ليلة والنبي صلى الله عليه وسلم عندها ) ، أي : في نوبتها ( فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ) : وفيه أن التحدث بعد العشاء غير مكروه إذا كان من كلام الآخرة ، أو من باب الموعظة ، أو من طريق حسن العشرة . ( ثم رقد ) ، أي : نام . في الشمائل : قال : فاضطجعت في عرض الوسادة ، أي : المخدة أو الفراش ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها ( فلما كان ) ، أي : بقي ( ثلث الليل الآخر ) : صفة ثلث ، أي : جمعيه ( أو بعضه ) ، أي : بعض الثلث ، أي : أقل منه ( قعد ) ، أي : قام من النوم ( فنظر إلى السماء ) : يتفكر في عجائب الملكوت ويستغرق في عالم الجبروت ( فقرأ : ( إن في خلق السماوات والأرض ) ، أي : في خلقتهما أو في الخلق الكائن فيهما ( واختلاف الليل والنهار ) ، أي : طولا وقصرا وظلمة ونورا وحرا وبردا ( لآيات ) ، أي : دلالات واضحات وبينات لائحات ( لأولي الألباب ) ، أي : لأرباب العقول السليمة ، على الملة القويمة ، والطريق المستقيمة من التوحيد والنبوة الكريمة ; ولذا قال - عليه السلام - : " ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر " . ( حتى ختم السورة ) : فإن فيها لطائف عظيمة ، وعوارف جسيمة لمن تأمل في مبانيها ، وتبين له بعض معانيها . ( ثم قام ) ، أي : قصد ( إلى القربة فأطلق ) ، أي : حل ( شناقها ) : بكسر الشين خيطها الذي يشد به فمها ، أو السير الذي تعلق به القربة ( ثم صب ) ، أي : أراق الماء منها ( في الجفنة ) ، أي : القصعة ، وهي قدح كبير ، ( ثم توضأ وضوءا حسنا ) ، أي : مستحسنا ( بين الوضوءين ) ، أي : من غير إسراف ولا تقتير ، يدل هذا على أن من كان بين طرفي الإفراط والتفريط حسن ، وقيل ، أي توضأ مرتين مرتين . ( لم يكثر ) ، أي : صب الماء وهو صفة أخرى لوضوء أو بيان للوضوء الحسن ، وهو إيماء إلى عدم الإفراط ( وقد أبلغ ) ، أي : أسبغ الماء إلى محاله المفروضة إشارة إلى عدم التفريط ، ( فقام فصلى ) ، أي : فشرع في الصلاة ( فقمت ) ، أي : نهضت عن النوم أو إلى القربة ( وتوضأت ) ، أي : نحو وضوئه كما في رواية أخرى ، ( فقمت ) ، أي : للصلاة معه تعلما وتبركا ( عن يساره ) : لعدم العلم فإنه كان [ ص: 904 ] صغيرا ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، ( فأخذ بأذني ) : وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الشمائل : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، ثم أخذ بأذني اليمنى ، قال ابن حجر : وضعها أولا ليتمكن من مسك الأذن أو لأنها لم تقع إلا عليه ، أو لينزل بركتها به ليعي جميع أفعاله - عليه السلام - في ذلك المجلس وغيره . ( فأدارني عن يمينه ) : قال ابن الملك : " عن " هنا . بمعنى الجانب ، أي أدارني عن جانب يساره إلى جانب يمينه . اهـ .
وفي الشمائل بدل هذه الجملة ففتلها ، قال ابن حجر : وفتلها إما لينبهه على مخالفة السنة ، أو ليزداد تيقظه لحفظ تلك الأفعال ، أو ليزيل ما عنده من النعاس لرواية : فجعلت إذ غفيت يأخذ شحمة أذني ، ( فتتامت ) : بتشديد الميم ، ومن ثم قال الطيبي ، أي صارت تامة ، تفاعل من تم وهو لا يجيء إلا لازما . اهـ . أي : تمت وتكاملت ( صلاته ثلاث عشرة ركعة ) : وفي الشمائل : فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، قال : يعني ست مرات ، ثم أوتر ، أي : جعل الشفع الأخير منضما إلى الركعة الأخيرة فصار وترا أوتر بثلاث ركعات ، كما في الحديث الآتي لمسلم عنه . ( ثم اضطجع فنام حتى نفخ ) ، أي : تنفس بصوت حتى يسمع منه صوت النفخ بالفم ، كما يسمع من النائم ، وقال ابن حجر : نفخ من أنفه ، ومن ثم عبر عنه في رواية أخرى بالغطيط ، وهو صوت الأنف المسمى بالخطيط بفتح المعجمة وهو الممدود من الصوت ، وقيل : هما بمعنى ، وهو صوت يسمع من تردد النفس أو النفخ عند الخفقة ، أي تحريك الرأس . اهـ كلامه ، وما وجدنا في كتب اللغة ما يدل على أنه صوت الأنف ، ففي النهاية : الغطيط : الصوت الذي يخرج مع نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغا ، وقال : والخطيط قريب من الغطيط وهو صوت النائم ، وفي القاموس : غط النائم غطيطا : صات ، والله أعلم ، ( وكان ) ، أي : من عادته ( إذا نام نفخ ) : قال ابن حجر : فيه بيان أن نفخه صلى الله عليه وسلم لم يكن لأمر عارض ، بل كان جبليا ناشئا عن عبالة البدن ، أي : ضخامته كما هو الغالب ، نعم تلك العبالة حصلت له - عليه السلام - في آخر عمره لما آتاه الله جميع سؤله ، وأراحه من غي أمته ، كان حكمتها ما أشار إليه بعض علماء الظاهر من التابعين ، وعلماء الباطن من المتأخرين يقول الأول ، وقد قيل له ما هذا السمن : كلما تذكرت كثرة أمة محمد ، وما اختصهم الله تعالى به مما لم يؤته لغيرهم ازددت سمنا ، ويقول الثاني : كلما تذكرت أني عبد الله وأنه أهلني لما ترون زاد سمني . اهـ . فلا ينافي ما ورد أن الله لا يحب السمين ، وفي رواية يبغض السمين ، فإن محله إذا كان عن غفلة أو نشأ عن تنعيم وكثرة أكل لحم ، كما يدل عليه رواية ( يبغض اللحامين ) ( فآذنه ) : بالمد ، أي أعلمه ( بلال بالصلاة فصلى ، ولم يتوضأ ) قال بعض علمائنا : وإنما لم يتوضأ وقد نام حتى نفخ ; لأن النوم لا ينقض الطهر بنفسه ، بل لأنه مظنة خروج الخارج ، ولما كان قلبه - عليه السلام - يقظان لا ينام ولم يكن نومه مظنة في حقه ، فلا يؤثر ، ولعله أحس بتيقظ قلبه بقاء طهره ، وهذا من خصائصه عليه السلام . قال الطيبي : فيقظة قلبه تمنعه من الحدث وما منع النوم قلبه ليعي الوحي إذ أوحي إليه في المنام . اهـ . فالوضوء الأول إما لنقض آخر ، أو لتجديد وتنشيط ، والله أعلم .
قال القرطبي : هذه الأنوار يمكن حملها على ظاهرها ، فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا يستضيء به من ظلمات يوم القيامة هو ومن يتبعه أو من شاء الله منهم ، قال : والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية ، كما قال تعالى : ( فهو على نور من ربه ) ، ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) ، قلت : ويمكن الجمع فتأمل ، فإنه لا منع ، ثم قال : والتحقيق في معناه أن النور يظهر ما ينسب إليه وهو يختلف بحسبه ، فنور السمع مظهر للمسموعات ، ونور البصر كاشف للمبصرات ، ونور القلب كاشف عن المعلومات ، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات .
وقال الطيبي : معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى كل عضو بأنوار المعرفة والطاعة ، ويتعرى عن ظلمة الجهالة والضلالة ، فإن ظلمات الجملة محيطة بالإنسان من قرنه إلى قدمه ، والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات ، أي : المشبهات بالظلمات فرفع كل ظلمة بنور ، قال : ولا مخلص عن ذلك إلا بأنوار تستأصل شأفة تلك الظلمات ، وفيه إرشاد للأمة ، وإنما خص القلب والسمع والبصر بـ ( في ) الظرفية ; لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله تعالى ، والبصر مسارح النظر في آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ، والسمع محط آيات الله المنزلة على أنبياء الله ، واليمين والشمال خصا بـ ( عن ) للإيذان بتجاوز الأنوار عن قلبه وبصره وسمعه إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه ، وعزلت فوق وتحت وأمام وخلف من الجارة لتشمل استنارته وإنارته معا من الله والخلق ، ثم أجمل بقوله : ( " واجعل لي نورا " ) : فذلكة لذلك . اهـ . أي : إجمالا لذلك التفصيل ، وفذلكة الشيء : جمعه . مأخوذ من فذلك وهو مصنوع كالبسملة ، قال ابن الملك : أراد به نورا عظيما جامعا للأنوار كلها . اهـ . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي والحاكم : " واجعلني نورا " وهو أبلغ من الكل . ( وزاد بعضهم ) ، أي : بعض الرواة بعدما ذكر ( " وفي لساني نورا " ) : خص بالذكر ليخص بالذكر ( وذكر ) أي : الراوي . قاله ابن الملك ، والأظهر : وذكر ، أي ذلك البعض . يعني في رواية أخرى : ( " وعصبي " ) لأن به قوام البدن ، ( " ولحمي " ) لأن به نموه وزيادته ، ( " ودمي " ) لأن به حياته ، ( " وشعري " ) ; لأن به جماله وهو بفتح العين وسكونها ، ( " وبشري " ) ، أي : جلدي ; لأنه الذي امتاز به الإنسان عن بدن سائر الحيوانات ، ولفظه على ما في الحصن : وفي عصبي نورا ، وفي لحمي نورا ، وفي دمي نورا ، وفي شعري نورا ، وفي بشري نورا . ( متفق عليه ) : ورواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه إلا أن قوله : وفي لساني نورا من أفراد مسلم على ما يفهم من الحصن .