1211 - ( وعن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ) ، أي : بعض أوقاته ( يتهجد ) ، أي : يصلي صلاة الليل ، وهو حال من فاعل قام ، وقوله : ( قال : " اللهم " ) : خبر كان ، و ( إذا ) لمجرد الظرفية ، وقال الطيبي : ( قال ) جواب : ( إذا ) والشرطية خبر كان . اهـ . قال ميرك : قوله ( يتهجد ) أي : يريد أن يتهجد ، أي : يصلي التهجد ، قال ، أي قبل الشروع في الصلاة . اهـ .
والأظهر أنه كان يقول بعد الافتتاح أو في قومة الاعتدال كما في بعض الروايات ( " لك الحمد " ) : تقديم الخبر يدل على التخصيص ، قاله الطيبي ، وكذلك لام الجر مع لام الجنس أو العهد في الحمد ، وأما على كون اللام للاستغراق ففيه ثلاث دلالات . ( " أنت قيم السماوات والأرض " ) ، أي : القائم بأمورهما ( فيعل ) من قام ، ومعناه الدائم القائم بحفظ المخلوقات ، قال الطيبي في النهاية : في رواية : قيام ، وفي رواية : قيوم ، وهي من أبنية المبالغة ، والقيم [ ص: 915 ] معناه القائم بأمور الخلق ومدبرهم ومدبر جميع العالم في جميع أحواله ، والقيوم هو القائم بنفسه الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به . ( " ومن " ) : غلب فيه العقلاء ( " فيهن " ) ، أي : في السماوات والأرض يعني العلويات والسفليات من المخلوقات " ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض " ، أي : منورهما أو مظهرهما ، أو خالق نورهما ، أو المعنى : أنت الذي به ظهور كل شيء ، وأنت الذي به استضاء الكون كله وخرج من ظلمة العدم إلى نور الوجود ، قال الطيبي : النور هو الذي يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية ، قال التوربشتي : أضاف النور إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وثقوب إضاءته ، وعلى هذا فسر ( الله نور السماوات والأرض ) أي منورهما ، يعني : أن كل شيء استنار منهما وأضاء فبقدرتك وجودك ، والأجرام النيرة بدائع فطرتك والعقول والحواس خلقك وعطيتك ، وقيل : المراد أهل السماوات ، أي يستضيئون بنوره ، وقد استغنينا عنه بقول : ( " ومن فيهن " ) : وقيل : معنى النور : الهادي ، وفيه نظر ; لأن إضافة الهداية إلى السماوات والأرض لا تكاد تستقيم بالتقدير ، ولا وجه له ، ولأن من فيهن يدفعه لما يلزم من جعل المعطوف عليه شيئا واحدا ، وقد علمنا أن الله تعالى سمى نفسه النور في الكتاب والسنة ، ففي حديث أبي ذر ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " ومن جملة أسمائه النور ، وسمي به لما اختص به من إشراق الجمال وسبحات العظمة والجلال . اهـ . ما نقله ميرك عن الطيبي . ( " nindex.php?page=hadith&LINKID=10358183ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن " ) ، أي : المتصرف فيهما تصرفا كليا ملكيا وملكيا ظاهريا وباطنيا ، لا نزاع في ملكه ولا شريك له في ملكه ، ( " ولك الحمد ، أنت الحق " ) : لا خلف في وعده ووعيده في الإنعام والانتقام في حق عبيده ، قال الطيبي : عرف الحق في أنت الحق ووعدك الحق ، ونكر في البواقي ; لأنه لا منكر سلفا وخلفا أن الله هو الثابت الدائم الباقي ، وما سواه في معرض الزوال .
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
.
وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره إما قصدا وإما عجزا ، تعالى الله عنهما ، والتنكير في البواقي للتفخيم . ( " ولقاؤك حق " ) : المراد بلقاء الله المصير إلى دار الآخرة وطلب ما هو عند الله ، قال الطيبي : فدخل فيه اللقاء بمعنى الرؤية ، وقال ميرك : اللقاء : البعث أو رؤية الله تعالى ، فإن قلت : ذلك داخل تحت الوعد ؟ قلت : الوعد مصدر والمذكور بعده هو الموعود وهو تخصيص بعد تعميم ، كما أن ذكر القول بعد الوعد تعميم بعد تخصيص في قوله : ( " وقولك حق " ) : فإن قلت : ما معنى الحق ؟ قلت : المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه ، فإن قلت : القول يوصف بالصدق ، ويقال : هو صدق وكذب ، ولذا قيل : الصدق هو بالنظر إلى القول المطابق للواقع ، والحق بالنظر إلى الواقع المطابق للقول ؟ قلت : قد يقال أيضا : قول ثابت ، ثم إنهما متلازمان ، فإن قلت : لم عرف الحق في الأوليين ونكر في البواقي ؟ قلت : المعرف بلام الجنس والنكرة ، المسافة بينهما قريبة ، بل صرحوا بأن مؤداهما واحد لا فرق بينهما ، إلا بأن في المعرفة إشارة إلى أن الماهية التي دخل عليها اللام معلومة للسامع ، وفي النكرة لا إشارة إليه ، وإن لم تكن إلا معلومة ، وفي صحيح مسلم قولك الحق بالتعريف أيضا ، وقال الخطابي : عرفهما للحصر ، وذكر ما قاله الطيبي . ( " والجنة حق " ) ، أي : نعيمها ( " والنار حق " ) ، أي : جحيمها ( " والنبيون " ) : الذين هم أعم من الرسل ( " حق ، ومحمد " ) : ( " حق " ) : قال ميرك : خص محمدا بين النبيين وعطف عليهم ، إيذانا بالتغاير ، وأنه فاق عليهم بأوصاف مختصة به ، فإن تغاير الوصف ينزل منزلة تغاير الذات ، ثم تجرد عن ذاته كأنه غيره ، ووجب عليه الإيمان به وتصديقه . ( " والساعة " ) ، أي : القيامة وما فيها من الميزان والصراط والحوض والحساب ( " حق ، اللهم لك أسلمت " ) ، أي : أذعنت لأمرك ظاهرا وباطنا ( " وبك آمنت " ) ، أي : صدقت بك وبجميع ما يجب الإيمان به أو بكلامك ، وبأخبار رسولك ، أو بتوفيقك ، آمنت بما آمنت نفسي من عذابك . ( " وعليك توكلت " ) ، أي : اعتمدت في أموري ، قال ميرك ، أي فوضت أمري إليك قاطعا للنظر من الأسباب العادية ( " وإليك أنبت " ) ، أي : رجعت في جميع أحوالي ، وفوضت أمري إليك ، قاله ابن الملك .
[ ص: 916 ] والمشهور بين السادة الصوفية أن التوبة هي الرجوع عن المعصية والإنابة عن الغفلة ( " وبك " ) ، أي : بقوتك أو بحجتك أو بنصرتك إياي ( " خاصمت " ) ، أي : أعداءك ( " وإليك حاكمت " ) ، أي : رفعت أمري لتحكم بيني وبين من يخالفني ، والمحاكمة رفع الحكم إلى القاضي ، قال ميرك : قدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعارا بالتخصيص وإفادة للحصر . اهـ . زاد أبو عوانة " أنت ربنا وإليك المصير " ، أي : المرجع في الدارين . ( " فاغفر لي ما قدمت " ) ، أي : من الذنوب ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ( " وما أخرت " ) ، أي : من التقصير في العبادة ( " وما أسررت " ) ، أي : أخفيت ، ولو مما خطر بالبال ، ( " وما أعلنت " ) : من الأقوال والأفعال والأحوال الردية الناشئة من القصور البشرية .
قال ميرك : فإن قلت : إنه مغفور له فما معنى سؤال المغفرة ؟ قلت : سأله تواضعا وهضما لنفسه ، وإجلالا وتعظيما لربه ، وتعليما لأمته ، ( " وما أنت أعلم به مني " ) : وهذا تعميم بعد تخصيص . ( " أنت المقدم " ) ، أي : لمن تشاء ( " وأنت المؤخر " ) ، أي : لمن تشاء ، وقال ابن بطال : معناه أنه عليه السلام أخر عن غيره في البعث وقدم عليهم يوم القيامة بالشفاعة وغيرها ، كقوله : " نحن الآخرون السابقون " نقله ميرك . ( " لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك " ) : وفي نسخة ( أو ) بدل الواو ، قال ميرك : كذا في البخاري بلفظ " أو " . اهـ . واقتصر الجزري في الحصن أيضا على الأول ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه الأربعة .