1223 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا " ) ، أي : أمره لبعض ملائكته أو ينزل مناديه ( " تبارك " ) : كثر خيره ورحمته وآثار جماله ( " وتعالى " ) : عن صفات المخلوقين من الطلوع والنزول ، وارتفع عن سمات الحدوث بكبريائه وعظمته وجلاله ، قيل : إنهما جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه للتنبيه على التنزيه ، لئلا يتوهم أن المراد بالإسناد ما هو حقيقته ، ( " كل ليلة إلى السماء الدنيا " ) : قال ابن حجر ، أي ينزل أمره ورحمته أو ملائكته ، وهذا تأويل الإمام مالك وغيره ويدل له الحديث الصحيح " nindex.php?page=hadith&LINKID=10358198إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ، ثم يأمر مناديا ينادي فيقول : هل من داع فيستجاب له ؟ " الحديث ، والتأويل الثاني ، ونسب إلى مالك أيضا ، أنه على سبيل الاستعارة ، ومعناه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة ، كما هو عادة الكرماء ، لا سيما الملوك إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين .
قال النووي في شرح مسلم : في هذا الحديث وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها مذهبان مشهوران . فمذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق به تعالى ، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ، ولا نتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيه الله سبحانه عن سائر سمات الحدوث . والثاني : مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف ، وهو محكي عن مالك والأوزاعي إنما تتأول على ما يليق بها بحسب بواطنها ، فعليه : الخبر مئول بتأويلين ، أي المذكورين ، وبكلامه وبكلام الشيخ الرباني nindex.php?page=showalam&ids=11815أبي إسحاق الشيرازي ، وإمام الحرمين ، [ ص: 924 ] والغزالي وغيرهم من أئمتنا وغيرهم يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر ، كالمجيء ، والصورة ، والشخص ، والرجل ، والقدم ، واليد ، والوجه ، والغضب ، والرحمة ، والاستواء على العرش ، والكون في السماء ، وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من مجالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع ، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره ، وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نئوله بشيء آخر ، وهو مذهب أكثر أهل السلف ، وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويله بشيء آخر ، وهو مذهب أكثر أهل الخلف وهو تأويل تفصيلي ، ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح ، معاذ الله أن يظن بهم ذلك ، وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك ; لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلالة ، واستيلائهم على عقول العامة ، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم ، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا : لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك ، وقد علمت أنمالكا والأوزاعي ، وهما من كبار السلف أولا الحديث تأويلا تفصيليا ، وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري أول الاستواء على العرش بقصد أمره ، ونظيره ثم استوى إلى السماء ، أي : قصد إليها ، ومنهم الإمام nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق ، بل قال جمع منهم ومن الخلف : إن معتقد الجهة كافر ، كما صرح به العراقي ، وقال : إنه قول لأبي حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والأشعري والباقلاني . وقد اتفق سائر الفرق على تأويل نحو : ( وهو معكم أين ما كنتم ) ، ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) الآية ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) و ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ، و " nindex.php?page=hadith&LINKID=10358199قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن " ، " nindex.php?page=hadith&LINKID=10358200والحجر الأسود يمين الله في الأرض " وهذا الاتفاق يبين لك صحة ما اختاره المحققون أن الوقف على ( الراسخين في العلم ) لا الجلالة .
قلت : الجمهور على أن الوقف على ( إلا الله ) وعد ، وأوقفه وقفا لازما ، وهو الظاهر ; لأن المراد بالتأويل معناه الذي أراده تعالى وهو في الحقيقة لا يعلمه إلا الله جل جلاله ولا إله غيره ، وكل من تكلم فيه تكلم بحسب ما ظهر له ، ولم يقدر أحد أن يقول : إن هذا التأويل هو مراد الله جزما ، ففي التحقيق الخلاف لفظي ، ولهذا اختار كثيرون من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ، ويكلون تعيين المراد بها إلى علمه تعالى ، وهذا توسط بين المذهبين وتلذذ بين المشربين ، واختار ابن دقيق العيد توسطا آخر ، فقال : إن كان التأويل من المجاز البين الشائع ، فالحق سلوكه من غير توقف أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه ، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدمه مسألة فقهية اجتهادية ، والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين .
قلت : التوقف فيها لعدم ترجيح أحد الجانبين ، مع أن التوقف مؤيد بقول السلف ، ومنهم الإمام الأعظم ، والله أعلم .
وقال القاضي : المراد بنزوله : دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد ، وإجابة دعوتهم ، وقبول معذرتهم ، كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم ملهوفين محتاجين مستضعفين ، وقد روي : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358201يهبط من السماء العليا إلى السماء الدنيا ، أي : ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال ، وعدم المبالاة ، وقهر العداة ، والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الجمال المقتضية للرأفة والرحمة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج ، واستقراض الحوائج ، والمساهلة ، والتخفيف في الأوامر والنواهي ، والإغضاء عما يبدو من المعاصي ، ولهذا قيل : هذا تجل صوري لا نزول حقيقي ، فارتفع الإشكال ، والله أعلم بالحال . ( " حين يبقى ثلث الليل " ) : بضم لام ثلث وسكونه ( " الآخر " ) : بالرفع صفة ثلث .
قال ابن الملك : قيل هذا الحديث متشابه ، وقيل : معناه فينتقل كل ليلة من صفات الجلال إلى صفات الرحمة والجمال ، قلت : التعبير بالانتقال لا يرتضيه أهل الكمال لتوهم النقص والزوال ، وكأنه أراد به الظهور والتجلي بصفة الجمال .
[ ص: 925 ] قال في النهاية : تخصيص الثلث الآخر ; لأنه وقت التهجد ، وغفلة الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله تعالى ، وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة وافرة ، وقال ابن الملك : وقيل المراد نزول الرحمة الرحمانية ، والألطاف السبحانية ، وقربه من العباد بمقتضى الصفة الربوبية ، أو نزول ملك من خواص ملائكته ، فينقل حكاية كلام الرب في ذلك الوقت بالله تعالى ، وهذه الرواية لا تنافي ما ورد : حتى يمضي ثلث الليل الأول ، وفي رواية : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358202إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ; لأنه يحتمل أن يكون النزول في بعض الليالي هكذا ، وفي بعضها هكذا - كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان - وقال ابن حجر : ويحتمل أن يتكرر النزول عند الثلث الأول والنصف والثلث الآخر ، واختص بزيادة الفضل لحثه على الاستغفار بالأسحار ، ولاتفاق الصحيحين على روايته . اهـ .
والأظهر أن هذا نزول تجل فلا يختص بزمان دون زمان ، وإنما ذكر هذه الأوقات بحسب أزمنة القائمين عن نوم الغفلة ، ومجمله : أن مطلق الليل محل التنزل الإلهي من مقام الجلال إلى مرتبة الجمال ، داعيا عباده الذين هم أرباب الكمال إلى منصة الوصال حال غفلة عامة الخلق عن تلك الحال . ( " يقول من يدعوني فأستجيب له " ) : بالنصب على تقدير ( أن ) في جواب الاستفهام ، وبالرفع على الاستئناف ، وكذا قوله : فأعطيه ، فأغفر له ، قاله العسقلاني . ( " من سألني فأعطيه " ) : بفتح الياء وضم الهاء على الأكثر ، وبسكون الياء وكسر الهاء ( " من يستغفرني فأغفر له " ) : قيل : مقصود الحديث الترغيب والتحثيث وتخصيص هذا الوقت بمزيد الشرف والفضل ، وأن ما يأتي به المكلف أنفع وأرجى وبالقبول أحرى . ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه الأربعة .
( وفي رواية لمسلم : " ثم يبسط يديه " ) ، أي : لطفه ورحمته ، قاله ابن الملك ، أي : عن مظهريهما ، ويحتمل أن يكون بالتجلي الصوري لتنزه ذاته عن الجارحة والنزول الحسي . ( " يقول " ) : وفي نسخة : ويقول ، أي بذاته أو على لسان ملك من خواص ملائكته ( " من يقرض " ) ، أي : يعطي العبادة البدنية أو المالية على سبيل القرض وأخذ العوض ، ( " غير عدوم " ) ، أي : ربا غنيا غير فقير عاجز عن العطاء ، ( " ولا ظلوم " ) : بعدم الوفاء أو بنقص من الثواب والجزاء يعني : من يعمل في العاجلة رجاء الثواب في الآجلة لغني لا يعجز عن أداء حقه ، وعادل لا يظلم المقرض بنقص ما أخذ ، بل يضاعف له أضعافا كثيرة ، وإنما وصف ذاته تعالى بنفي هذين الوصفين ; لأنهما المانعان غالبا عن الإقراض ، فالمعنى من يعمل خيرا في الدنيا يجد جزاءه كاملا عندي في العقبى ، ( " حتى " ) : غاية للبسط والقول ، أي : لا يزال يقول ذلك طلبا لإقبال قلوب طالبيه إليه ، ( " ينفجر الفجر " ) ، أي : ينشق أو يطلع ، ويظهر الصبح ، وفيه دلالة على امتداد وقت ذلك اللطف .