1299 - ( وعن عائشة قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : طلبته فما وجدته ( ليلة ) : من ليالي ، تعني : في ليلتي التي كان فيها عندي ، فتتبعته ، ( فإذا هو بالبقيع ) ، أي : واقف أو حاضر فيه ، وفيه حذف بينته رواية أخرى ، أي : فشددت علي ثيابي ، وخرجت أتبع أثره ، فإذا هو ساجد بالبقيع فأطال السجود حتى ظننت أنه قبض ، فلما سلم التفت إلي ( فقال : " أكنت تخافين أن يحيف ) ، أي : يجور ويظلم ( الله عليك ورسوله ) : ذكر الله تنويها لعظم شأنه عند ربه على حد : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ، قال الطيبي : أو تزيينا للكلام وتحسينا ، أو حكاية لما وقع في الآية : ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ) ، وإشارة إلى التلاوة بينهما كالإطاعة والمحبة ، قيل : عدل عن ( أحيف أنا ) إلى : ( يحيف رسوله ) ، إيذانا بأن الحيف وهو الجور بإعطاء من لا يستحق ، أو بمنع من يستحق ليس من شيم من اتصف بوصف الرسالة ، قال الطيبي : يعني : ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك ، وذلك مناف لمن تصدى بمنصب الرسالة ، وهذا معنى العدول عما هو مقتضى ظاهر العبارة ، وهو ظننت أني أحيف عليك ، وأما تفسير ابن حجر قوله : أكنت تخافين بقوله ، أي : أدمت على أنك تظنين فلا وجه له ; لأن الكون هنا ليس للاستمرار والدوام ، بل لمجرد الربط أو لوقوع الخوف في المضي ، نعم كان الظاهر أن يقال أخفت أو كنت خفت ، لكن عدل عن الماضي إلى المضارع ، استحضارا للحال الماضية ، فكأنه قال لها : أظننت ظنا منسحبا إلى الحال .
( قلت : يا رسول الله ! إني ظننت ) : تعني : وإن بعض الظن إثم ( أنك أتيت بعض نسائك ) ، أي : زوجاتك لبعض مهماتك ، فأردت تحقيقها ، وحملني على هذا الغيرة الحاصلة للنساء التي تخرجهن عن دائرة العقل وحائزة التدبر للعاقبة من المعاتبة أو المعاقبة ، والحاصل أني ما ظننت أن يحيف الله ورسوله علي أو على غيري ، بل ظننت أنك [ ص: 969 ] بأمر من الله أو باجتهاد منك خرجت من عندي لبعض نسائك ; لأن عادتك أن تصلي النوافل في بيتك ، قيل : عدلت إلى هذا الإطناب عن ( نعم ) مزيدا للتصديق واستدرارا لتعطفه - عليه الصلاة والسلام - عليها ، وعفوه عن هذا الذنب المقتضي لخروجها بغير إذنه الحامل عليه عظيم الغيرة التي قد يؤدي إلى خرم التكليف ، ومن ثم لم يعاتبها - عليه الصلاة والسلام - على كسرها لقصعة ضرة لها أرسلت فيها إليه - عليه الصلاة والسلام - طعاما ، وإنما قال تمهيدا لعذرها غارت أمكم ، ثم أخذ قصعتها وأرسلها لتلك تطييبا لخاطرها مع أن الكل ملكه - عليه الصلاة والسلام - اهـ .
وتبعه ابن حجر وفيه : أنه لو قالت : " نعم " لكان كفرا بل عدلت عن " لا " لظهور عدم إنكارها وبينته بقولها : يا رسول الله ! وذكرت المعذرة في خروجها واعترفت بتقصيرها ، فتوجه إليها ، وأقبل عليها - عليه الصلاة والسلام - وشرف وكرم ، وذكر عذره في خروجه عنها تسلية لها . ( فقال : " إن الله تعالى ينزل ) ، أي : من الصفات الجلالية إلى النعوت الجمالية زيادة ظهور في هذا التجلي ; إذ قد ورد في الحديث القدسي : ( سبقت رحمتي غضبي ) وفي رواية : غلبت . ( ليلة النصف من شعبان ) : وهي : ليلة البراءة ، ولعل وجه تخصيصها ; لأنها ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم ويدبر كل خطب عظيم مما يقع في السنة كلها من الإحياء والإماتة وغيرها ، حتى يكتب الحجاج وغيرهم . ( إلى السماء الدنيا ) ، أي : قاصدا إلى السماء القريبة من أهل الدنيا المتلونين بالمعصية ، المحتاجين إلى إنزال الرحمة عليهم وأذيال المغفرة ، وظاهر الحديث أن هذا النزول المكنى به عن التجلي الأعظم ونزول الرحمة الكبرى والمغفرة العامة للعالمين ، لا سيما أهل البقيع يعم هذه الليلة فتمتاز بذلك على سائر الليالي ; إذ النزول الوارد فيها خاص بثلث الليل ، ( فليغفر لأكثر من عدد شعر ) : بفتح العين وتسكن ( غنم كلب ) ، أي : قبيلة بني كلب ، وخصهم لأنهم أكثر غنما من سائر العرب ، نقل الأبهري عن الأزهار أن المراد بغفران أكثر عدد الذنوب المغفورة لا عدد أصحابها ، وهكذا رواه البيهقي اهـ .
وأما الحديث الآتي : فيغفر لجميع خلقه ، فالمراد أصحابها ، والحاصل أن هذا الوقت زمان التجليات الرحمانية ، والتنزلات الصمدانية ، والتقربات السبحانية الشاملة للعام والخاص ، وإن كان الحظ الأوفى لأرباب الاختصاص ، فالمناسب الاستيقاظ من نوم الغفلة والتعرض لنفحات الرحمة ، وأنا رئيس المستغفرين ، وأنيس المسترحمين ، وشفيع المذنبين ، بل ورحمة للعالمين خصوصا أموات المسلمين من الأنصار والمهاجرين ، فلا يليق لي إلا أن أكون ممتثلا بين يدي ربي أدعو بالمغفرة لأمتي ، وأطلب زيادة الرحمة لذاتي ، فإنه ليس لأحد أن يستغني عن نعمته ، أو يستنكف عن عبادته والتعرض لخزائن رحمته ، وقد أراد الله لك الخير بالقيام وترك المنام ومتابعة سيد الأنام ، وحصول المغفرة ببركته - عليه الصلاة والسلام - ( رواهnindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وزاد رزين : " ممن استحق النار ) .
قلت : ومن الذي لم يستحق النار لولا فضل الله الملك الغفار ؟ وقال ابن حجر : أي : من المؤمنين كما صرح به قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، وقيد ذلك في روايات بينتها ثم بغير المشاحن وقاطع الرحم ومدمن الخمر ونحوهم .
( وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12070محمدا - يعني البخاري - ) : وهو تفسير من المصنف ( يضعف ) ، أي : البخاري ( هذا الحديث ) : ويقول : nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة ، nindex.php?page=showalam&ids=15689والحجاج بن أرطاة لم يسمع من ابن أبي كثير ، نقله ميرك ، لكن يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال باتفاق العلماء ، قيل : وجه مناسبة هذا الحديث بالباب الإيذان بأن ليلة النصف من شعبان لما ورد في إحيائها من الثواب ما لا يحصى ، كانت كالمقدمة لقيام رمضان فاستدعى ذكره ذكرها اهـ .
وتبعه ابن حجر : أو ; لأن الكلام لما كان في القيام ، والمراد الأعظم منه إدراك ليلة القدر ، فذكر ليلة البراءة طردا للباب ; لأنها ليلة القدر عند بعض أولي الألباب ، والله أعلم بالصواب .