صفحة جزء
1531 - وعنها قالت : كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو جرح ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه : " بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، ليشفى سقيمنا ، بإذن ربنا " . متفق عليه .


1531 - ( وعنها ) أي : عن عائشة . ( قالت : كان ) : إما زائدة أو فيها ضمير الشأن يفسره ما بعده . ( إذا اشتكى ) أي : شكا ( الإنسان الشيء ) : بالنصب على المفعولية أي : العضو . ( منه ) : الضمير إلى [ ص: 1125 ] الإنسان أي : من جسده . ( أو كانت به ) أي : بالإنسان . ( قرحة ) : بفتح القاف وضمها ، ما يخرج من الأعضاء مثل الدمل . ( أو جرح ) : بالضم كالجراحة بالسيف وغيره . ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه ) أي : أشار بها قائلا . ( بسم الله ) أي : أتبرك به . ( تربة أرضنا ) أي : هذه تربة أرضنا ممزوجة . ( بريقة بعضنا ) وهذا يدل على أنه كان يتفل عند الرقية . قال القرطبي : فيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام ، وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم . قال : ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبابته ، ووضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقى . قال النووي : المراد بأرضها جملة الأرض ، وقيل : أرض المدينة خاصة لبركتها ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من ريق نفسه ، على إصبعه السبابة ، ثم يضعها على التراب ، فيعلق بها منه ، فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ، ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح . قال الأشرف : هذا يدل على جواز الرقية ما لم تشتمل على شيء من المحرمات كالسحر . وكلمة الكفر اهـ .

ومن المحذور أن تشتمل على كلام غير عربي أو عربي لا يفهم معناه ، ولم يرد من طريق صحيح ، فإنه يحرم كما صرح به جماعة من أئمة المذاهب الأربعة ; لاحتمال اشتماله على كفر . وقال التوربشتي : الذي يسبق إلى الفهم من صنيعه ذلك ، ومن قوله هذا أن تربة أرضنا إشارة إلى فطرة آدم - عليه الصلاة والسلام - وريقة بعضنا إشارة إلى النطفة التي خلق منها الإنسان فكأنه يتضرع بلسان الحال ، ويعرض بفحوى المقال : إنك اخترعت الأصل الأول من طين ، ثم أبدعت بنيه من ماء مهين ، فهين عليك أن تشفي من كان هذا شأنه ، وتمن بالعافية على من استوى في ملكك حياته ومماته . وقال القاضي : قد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في النضج ، وتبديل المزاج ، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ، ودفع نكاية المضرات ; ولذا ذكر في تيسير المسافرين : أنه ينبغي أن يستصحب المسافر تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائه ، حتى إذا ورد ماء غير ما اعتاده جعل شيئا منه في سقائه ، وشرب الماء منها ; ليأمن من تغير مزاجه ، ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها اهـ .

وقد علم كل أناس مشربهم ، وكل إناء يرشح بما فيه ، وقوله : بأصبعه في موضع الحال من فاعل قال ، وتربة أرضنا : خبر مبتدأ محذوف أي : هذه ، والباء في ( بريقة ) متعلق بمحذوف ، وهو خبر ثان أو حال ، والعامل من الإشارة ، أي : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مشيرا بأصبعه : بسم الله ، هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضنا ، قلنا بهذا القول ، أو صنعنا هذا الصنيع . ( ليشفى سقيمنا ) : قال الطيبـي : فعلى هذا بسم الله مقول القول صريحا ، ويجوز أن يكون بسم الله حالا أخرى متداخلة أو مترادفة على تقدير : قال متبركا : بسم الله ، ويلزم منه أن يكون مقولا ، والمقول الصريح قوله : تربة أرضنا ، وإضافة تربة أرضنا وريقة بعضنا ، تدل على الاختصاص ، وأن تلك التربة والريقة كل واحدة منهما يختص بمكان شريف ، بل بذي نفس شريفة قدسية طاهرة عن الأوزار - صلى الله عليه وسلم - اهـ .

وفي رواية للجماعة إلا الترمذي : وريقة بعضنا ، فيكون التقدير مزجت إحداهما بالأخرى ، وقال العسقلاني : ضبط ليشفى بضم أوله على البناء للمجهول ، وسقيمنا بالرفع ويفتح أوله على أن الفاعل مقدر ، سقيمنا بالنصب على المفعولية . ( بإذن ربنا ) أي : بأمره على الحقيقة ، سواء كان بسبب دعاء ، أو دواء ، أو بغيره . ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وانفرد البخاري بقوله : بإذن ربنا . في رواية له : بإذن الله . قلت : ولهذا نسب الحديث في الحصن إلى مسلم فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية