1535 - ( وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين : " أعيذكما ) أي : بهذا اللفظ ، وهذا تفسير وبيان ليعوذ . ( بكلمات الله التامة ) قال التوربشتي : الكلمة في لغة العرب تقع على كل جزء من الكلام اسما كان أو فعلا أو حرفا ، وتقع على الألفاظ المبسوطة وعلى المعاني المجموعة ، والكلمات هاهنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة ; لأن الاستعاذة إنما تكون بها ، ووصفها بالتامة لخلوها عن النواقض والعوارض ، بخلاف كلمات الناس فإنهم متفاوتون في كلامهم على حسب تفاوتهم في العلم واللهجة وأساليب القول ، فما منهم من أحد إلا وقد يوجد فوقه آخر ، إما في معنى أو في معان كثيرة ، ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو نسيان ، أو العجز عن المعنى الذي يراد ، وأعظم النقائص التي هي مقترنة بها أنها كلمات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى الأدوات والجوارح ، وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق ، وكلمات الله تعالى متعالية عن هذه القوادح ، فهي لا يسعها نقص ، ولا يعتريها اختلال ، واحتج الإمام أحمد بها على القائلين بخلق القرآن فقال : لو كانت كلمات الله مخلوقة لم يعذ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا تجوز الاستعاذة بمخلوق . ( من كل شيطان ) أي : جن وإنس . ( وهامة ) أي : من شرهما ، وهي بتشديد الميم كل دابة ذات سم يقتل ، والجمع الهوام ، وأما ما له سم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور ، وقد يقع الهوام على ما يدب على الأرض مطلقا كالحشرات . ذكره الطيبـي عن النهاية . ( ومن كل عين لامة ) : بتشديد الميم أي : جامعة للشر على المعيون ، من لمه إذا جمعه ، أو تكون بمعنى ملمة أي : منزلة . قال الطيبـي في الصحاح : العين اللامة هي التي تصيب بسوء ، واللمم طرف من الجنون ، ولامة أي : ذات لمم ، وأصلها من ألمت بالشيء إذا نزلت به ، وقيل : لامة لازدواج هامة ، والأصل ملمة ; لأنها فاعل ألممت اهـ .
قيل : وجه إصابة العين أن الخاطر إذا نظر إلى شيء واستحسنه ولم يرجع إلى الله وإلى روية صنعه ، قد يحدث الله في المنظور عليه بجناية نظره على غفلة ابتلاء لعباده ليقول المحق : إليه من الله ، وغيره من غيره . ( ويقول : " إن أباكما ) : أراد به الجد الأعلى ، وهو إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - . ( كان يعوذ بهما ) أي : بهذه الكلمات . ( إسماعيل وإسحاق ) : ولديه ، وفيه إشارة إلى أن الحسنين - رضي الله عنهما - منبع ذريته - عليه الصلاة والسلام - كما أن إسماعيل وإسحاق معدن ذرية إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ( رواه البخاري . وفي أكثر نسخ المصابيح . " بهما " على لفظ التثنية ) : قال الطيبـي : الظاهر أنه سهو من الناسخ اهـ . إلا أن يجعل كلمات الله مجازا من معلومات الله ، ومما تكلم به سبحانه من الكتب المنزلة ، أو الأولى جملة المستعاذ به ، والثانية جملة المستعاذ منه .