149 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلي ) ، أي : صفتي العجيبة الشأن معكم أيها الأمة أو مع الناس ( كمثل رجل استوقد ) ، أي : أوقد وزيدت السين للتأكيد ( نارا ) ، أي : عظيمة ( فلما أضاءت ) : الإضاءة فرط الإنارة يتعدى ولا يتعدى وهاهنا متعد ، ويجوز أن يكون لازما وفاعله ( ما حولها ) : والتأنيث باعتبار الأماكن . قال زين العرب : ولك أن تجعل ( ما ) مزيدة أو بدلا من الضمير في أضاءت ، وفي كل منهما نظر . وقوله : ما حولها رواية مسلم ، فالضمير للنار أي أضاءت النار جوانب تلك النار . وفي رواية البخاري : ما حوله فالضمير للمستوقد كذا ذكره الطيبي ، وما ظهر لي وجه عدول صاحب " المشكاة " إلى رواية مسلم من رواية البخاري مع كونها أصح ، ومع ثبوت موافقتها للفظ القرآن الأفصح ودلالتها على المقصود بالطريق الأوضح مع قوله في آخر الحديث : هذه رواية البخاري فتأمل فإنه محل خطل ( جعل ) ، أي : شرع ( الفراش ) : هو بفتح الفاء دويبة : طير تتساقط في النار يقال بالفارسي بروانه ( وهذه الدواب ) : قيل : عطف تفسير للفراش وأنثه نظرا لخبره أو لكون الفراش اسم جنس كقوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي وقال ابن الملك : إشارة إلى غير الفراش ( التي تقع في النار ) ، أي : عادتها إلقاء نفسها في النار كالبق والبعوض اهـ . وهو غير ظاهر ، نعم الجراد بعضه كذلك ( يقعن ) ، أي : الفراش والدواب ( فيها ، وجعل ) ، أي : المستوقد ( يحجزهن ) : بضم الجيم أي يمنعهن ( ويغلبنه ) ، أي : للوقوع فيها ( فيتقحمن فيها ) ، أي : يدخلن فيها بشدة ومزاحمة . قيل : التقحم هو الدخول في الشيء من غير روية ، ويعبر به عن الهلاك وإلقاء النفس في الهلاك .
وقال الطيبي : التقحم الإقدام والوقوع في أمر شاق ( فأنا ) : الفاء فصيحة ، أي : إذا صح هذا التمثيل بأني كالمستوقد وأنتم كالفراش فيما ذكر فأنا ( آخذ ) : قال النووي : يروى على وجهين أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال ، والثاني فعل مضارع بضم الخاء ، والأول أشهر وهما صحيحان ( بحجزكم ) : بضم الحاء وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزة وهي معقد الإزار ، ومن السراويل موضع التكة .
قال الأبهري : ويجوز ضم الجيم في الجمع ( عن النار ) ، وإنما خص الحجز لأن محل الزنا الذي هو أفحش الفواحش تحتها أو لأن أخذ الوسط أقوى وأوثق من الأخذ بأحد الطرفين في التبعيد ، كذا ذكره ابن الملك والأول بعيد وأنتم تقحمون فيها ) : من باب التفعل بحذف إحدى التاءين ، وفي نسخة صحيحة : تقتحمون من باب الافتعال ( هذه ) ، أي : هذه الألفاظ أو ما ذكر من أول الحديث إلى هنا والتأنيث باعتبار الخبر ، وفي نسخة هذا أي هذا اللفظ ( رواية البخاري ، ولمسلم نحوها ) ، أي : رواية البخاري معنى ، وفي " شرح ابن حجر " مثلها وهو غير صحيح رواية ودراية ( وقال ) ، أي : مسلم ( في آخرها ) ، أي : آخر روايته ( قال ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فذلك ) ، أي : المثل المذكور ( مثلي ومثلكم ) .
قال ابن حجر : هذا تأكيد احتيج إليه لطول الكلام ، وإلا فهو معلوم من أوله كقوله : أنا آخذ اهـ .
والظاهر أنه بيان للفرق بين الروايتين وبيانه أن رواية البخاري : فأنا آخذ إلخ . ورواية مسلم : فذلك مثلي ومثلكم [ ص: 233 ] أنا آخذ إلخ . وقوله ( أنا آخذ ) : بالوجهين ( بحجزكم ) ، أي : للتبعيد ( عن النار ) : وأقول ( هلم عن النار ، هلم عن النار ) : كرر لفرط الاهتمام ، والمعنى أسرعوا إلي وأبعدوا أنفسكم عن النار ، قال الخليل : أصله لم أي لم أنفسكم إلينا بالقرب منا وها للتنبيه ، وإنما حذف ألفها لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز ، وبها جاء القرآن ، وقيل أصله هل أم أي هل لك في كذا أم بفتح الهمزة أي قصد فركب الكلمتان . وفيه أنه لم يظهر وجه ضم اللام ، وقيل : معناه اقرب إلينا وابعد عن النار ، فالخطاب عام ومحل هلم نصب على الحال أي آخذ بحجزكم وأمنعكم قائلا : هلم ( فتغلبوني ) : النون مشددة إذ أصله تغلبوني فأدغم نون الجمع في نون الوقاية ، وأغرب ابن حجر حيث قال بإدغام نون الرفع في نون التأكيد اهـ . وروي بتخفيفها على حذف إحدى النونين ، واختار الشاطبي حذف الأخيرة .
قال الطيبي : الفاء للسببية على التعكيس كاللام في ليكون لهم عدوا ( تقحمون ) ، أي : تتقحمون ( فيها ) . وهو حال عن فاعل تغلبوني ؟ وقيل : بدل مما قبله . قال الطيبي : وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل بوقوع الفراش في النار لجهله بما يعقب التقحم فيها من الاحتراق ولتحقير شأنها .
قال : وهذه الدواب كقوله تعالى : ماذا أراد الله بهذا مثلا وتخصيص ذكر الدواب والفراش لا يسمى دابة عرفا لبيان جهلها ، كقوله تعالى : إن شر الدواب عند الله الآية . كل ذلك تعريض لطالب الدنيا المتهالك فيها جعل عليه الصلاة والسلام المهلكات نفس النار وضعا للسبب موضع المسبب كقوله تعالى : في بطونهم نارا وشبه إظهاره بمحارم الله ونواهيه ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستيقاد الرجل النار ، وشبه فشو ذلك الكشف في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد ، وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله وحرصهم على اللذات ، ومنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بأخذ حجزهم بالفراش التي يتقحمن في النار ويغلبن المستوقد ، وكما أن غرض المستوقد هو انتفاع الخلق به من الاهتداء والاستدفاء وغير ذلك ، والفراش لجهلها جعلته سببا لهلاكها ، كذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء تلك الأمة واحتماءها عما هو سبب هلاكهم ، وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها موجبة لترديهم ، وفي قوله : ( آخذ بحجزكم ) استعارة مثلت حاله في منع الأمة عن الهلاك بحال رجل آخذ بحجزة صاحبه الذي يهوي في قعر بئر مردية . ( متفق عليه ) .
فيه : أن هذا مستغنى عنه بما سبق فإيراده لمجرد التأكيد على أن المراد بالاتفاق هنا بحسب المعنى في الأكثر .