صفحة جزء
[ ص: 1194 ] 1650 - وعن علي قال : رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا ، وقعد فقعدنا ، يعني في الجنازة . رواه مسلم ، وفي رواية مالك ، وأبي داود : قام في الجنازة ثم قعد بعد .


1650 - ( وعن علي قال : رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ) أي : لرؤية الجنازة . ( فقمنا ) تبعا له أي : أولا . ( وقعد ) أي : ثبت قاعدا . ( فقعدنا ) أي : تبعا له آخرا ، يعني أي : يريد علي بالقيام والقعود ( في الجنازة ) أي : في رؤيتها . ( رواه مسلم ) قال ميرك : ورواه الأربعة أيضا . ( وفي رواية مالك ، وأبي داود : قام في الجنازة ) أي : لها . ( ثم قعد بعد ) قال ميرك : وكأنه اعتراض على صاحب المصابيح ، حيث أورد الحديث في الصحاح بلفظ مالك ، وأبي داود ، دون لفظ مسلم . والجواب من قبل صاحب المصابيح : أنه يحتمل أنه اختار لفظ أبي داود لأنه أصرح في النسخ من عبارة مسلم كما لا يخفى ، وإنما أورده لبيان أن الأمر بالقيام للجنازة المفهوم من الحديث السابق منسوخ ، لا لأنه المقصود من الباب تأمل اهـ .

وفي شرح السنة : عن الشافعي حديث علي كرم الله وجهه ناسخ لحديث أبي سعيد : إذا رأيتم الجنازة فقوموا . وقال أحمد وإسحاق : إن شاء قام ، وإن شاء لم يقم ، وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيقعدون قبل أن تنتهي إليهم الجنازة . قال القاضي : الحديث يحتمل معنيين : الأول : أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا تجاوزت عنه . قال ابن الملك : ليعلم الناس أن اتباعها غير واجب بل يستحب ، الثاني : أنه كان يقوم أياما ثم لم يكن يقوم بعد ذلك ، وعلى هذا يكون فعل الأخير قرينة وأمارة على أن الأمر الوارد في ذينك الخبرين للندب ، ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر بالقيام ، والأول أرجح ; لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ اهـ .

وتبعه ابن الملك حيث قال : والمختار أنه غير منسوخ فيكون الأمر بالقيام للندب ، وقعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لعدم تعذر الجمع اهـ . وقد صرح الطحاوي بأنه منسوخ ، وأتى بأدلته ، قال : وبه نأخذ ، وقال ابن الهمام : أما القاعد على الطريق إذا مرت به أو على القبر إذا جيء به فلا يقوم لها ، وقيل : يقوم ، واختير الأول لما روي عن علي رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس ، وبهذا اللفظ لأحمد تم كلامه ، والحديث بعينه سيأتي في الفصل الثالث ، وهو نص في الاحتمال . الثاني الذي ذكره القاضي من النسخ وقوله : أمرنا بالجلوس ينافي أن يكون القيام بعد النسخ مندوبا ، والله أعلم . قال ابن حجر : وقال أئمتنا : هما مندوبان . قال النووي : وهو المختار لصحة الأحاديث بالأمر بالقيام ، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي رضي الله عنه ، وليس صريحا في النسخ ; لاحتمال أن القعود فيه لبيان الجواز اهـ .

وفيه أنه لا مطابقة بين المدعى والدليل ، قال : واعترض على النووي بأن الذي فهمه علي كرم الله وجهه الترك مطلقا ، وهو الظاهر على أن فهم الصحابي لا سيما مثل علي باب مدينة العلم مقدم على فهم غيره ; لأنه يساعده من القرائن الخارجية ما لا يدركه غيره ، ولهذا أمر بالقعود من رآه قائما ، واحتج بالحديث وهو كما في مسلم : قام النبي صلى الله عليه وسلم مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود ، وفي رواية : أنه رأى ناسا قياما ينتظرون الجنازة أن توضع فأشار إليهم بدرة معه أو سوط أن اجلسوا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس بعد ما كان يقوم ، وبهذا اتضح ما ذهب إليه الشافعي من نسخهما اهـ .

وأنت ترى أن هذا الحديث إنما يفيد منع القيام حتى توضع اهـ . والكلام إنما هو في القيام عند رؤية الجنازة ابتداء ، والظاهر أن هذا قضية أخرى ، ونسخ لحكم آخر ، ويؤيده ما سيأتي : من أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا تبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له : إنا هكذا نصنع يا محمد ، قال : فجلس صلى الله عليه وسلم ، وقال : خالفوهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية