151 - ( وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو الذي أنزل عليك الكتاب ، أي : القرآن ( منه ) : أي بعضه ( آيات محكمات ) : وهي ما أمن من احتمال التأويل ، كالنصوص الدالة على ذاته وصفاته ( وقرأ إلى : وما يذكر إلا أولو الألباب يحتمل الاختصار في الذكر من عائشة ، أو ممن دونها ، والتتمة : هن أي تلك الآيات : أم الكتاب أي أصله ، وأخر أي آيات أخر متشابهات المتشابه : ما بلغ في الخفاء غايته ولا يرجى معرفته كقوله : يد الله فوق أيديهم ، فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن اتباع الحق إلى الباطل فيتبعون ما تشابه منه أي يبحثون فيه ابتغاء الفتنة ، أي : لطلب الفتنة ، يعني إيقاع الشك والخصومة بين المسلمين وابتغاء تأويله لاستنباط معانيه وما يعلم تأويله إلا الله المذهب الصحيح الوقف عليه والراسخون مبتدأ أي الثابتون في العلم ، أي : في علم الدين يقولون آمنا به ، أي : بالمتشابه ووكلنا علمه إلى عالمه ، كما قال الإمام مالك لما سئل عن الاستواء : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . كل أي من المحكم والمتشابه من عند ربنا ، أي : نزل من عنده وهو حق وصواب وحكمة وقوع المتشابه فيه إعلام ( للعقول ) - بقصورها لتستسلم لبارئها وتعترف بعجزها وتسلم من الغرور والعجب والتكبر والتعزز وما يذكر ، أي : يتعظ وينتفع بما فيه من الموعظة إلا أولو الألباب ، أي : أصحاب العقول السليمة من علل الخواطر السقيمة . ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا رأيت ) : بفتح التاء على الخطاب العام ، أي : أيها الرائي ، وحكي بالكسر على أن الخطاب لعائشة وإن كان المراد عاما ( وعند مسلم : رأيتم ) : وهو يؤيد الأول ( الذين يتبعون ما تشابه منه ؟ ) : يحتمل أن يكون المراد بهم الذين يقتصرون على تتبع المتشابه ، ويحتمل الإطلاق سدا للباب ( فأولئك ) : بفتح الكاف وقيل بالكسر ( الذين سماهم الله ) : أهل الزيغ أو زائغين لقوله : في قلوبهم زيغ ( فاحذروهم ) ، أي : لا تجالسوهم ولا تكالموهم أيها المسلمون .
[ ص: 237 ] قال الطيبي : وقع في صحيح البخاري وفي بعض نسخ المصابيح : رأيت بفتح التاء على الخطاب العام ، ولهذا جمعه في : فاحذروهم وفي بعضها بكسر التاء على خطاب أم المؤمنين عائشة بيانا لشرفها وغزارة علمها كما يقال : يا فلان افعلوا كيت وكيت لرئيس القوم إظهارا لشرفه وتقدمه ، ومنه قوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء اهـ . وتبعه ابن حجر وفيه : أن هذا التحقيق يستدعي حضور قوم معها ، ويمكن أن يحمل خطاب المذكر الجمع على تعظيمها تنزيلا لها منزلة الرجال لكمال عقلها كقوله تعالى : وكانت من القانتين والله أعلم .
قال النووي : حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اختلاف يؤدي إلى الكفر والبدعة كاختلاف اليهود والنصارى ، وذلك مثل الاختلاف في نفس القرآن ، أو في معنى لا يسوغ الاجتهاد فيه ، أو فيما يوقع في شك وشبهة وفتنة وخصومة ، وأما الاختلاف لاستنباط فروع في الدين منه ، ومناظرة أهل العلم فيه على سبيل الفائدة وإظهار الحق فليس بمنهي عنه بل هو مأمور به وفضيلته ظاهرة ، وقد أجمع المسلمون عليه من عهد الصحابة إلى الآن اهـ . وقال ابن حجر : هذا بناء على ما عليه الجمهور من الوقف على الجلالة ليفيد أن علم المتشابه على حقيقة ما هو عليه مختص بالله تعالى ، ولا ينافي هذا جعل ابن عباس والآخرين الوقف على العلم المفيد أن الراسخين فيه يعلمون تأويل المتشابه ؟ لأنهم وإن علموه لم يدركوا حقيقته المرادة لله تعالى منه ، وإنما علموه بصرف ظاهره عن الله تعالى لاستحالته بلا خلاف بين الفريقين ، ومن ثم اتفق السلف والخلف على تنزيه الله تعالى عن ظواهر المتشابهات المستحيلة على الله تعالى ، ثم اختلفوا بعد فأمسك أكثر السلف عن الخوض في تعيين المراد من ذلك المتشابه ، وفوضوا علمه إلى الله تعالى ، وهذا أسلم لأن من أول لم يأمن من أن يذكر معنى غير مراد له تعالى فيقع في ورطة التعيين وخطره ، وخاض أكثر الخلف في التأويل ، ولكن غير جازمين بأن هذا مراد الله تعالى من تلك النصوص ، وإنما قصدوا بذلك صرف العامة عن اعتقاد ظواهر المتشابه والرد على المبتدعة المتمسكين بأكثر تلك الظواهر الموافقة لاعتقاداتهم الباطلة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحل تفسير المتشابه إلا بسند عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو خبر عن أحد من الصحابة ، أو إجماع العلماء . ( متفق عليه ) .