صفحة جزء
1665 - وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : " أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " وأمر بدفنهم بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا . رواه البخاري .


1665 - ( وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ) جمع قتيل . ( في ثوب واحد ) أي : من الكفن للضرورة ، ولا يلزم منه تلاقي بشرتهما ، إن يمكن حيلولتهما بنحو إذخر مع احتمال أن الثوب كان طويلا فأدرجا فيه ، ولم يفصل بينهما لكونهما في قبر واحد ، والله أعلم . قال الطيبي : أي : في واحد لا في ثوب واحد ، إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتهما ، بل ينبغي أن يكون على كل واحد منهما ثيابه المتلطخة بالدم وغير المتلطخة ، ولكن يضجع أحدهما بجنب الآخر في قبر واحد . قال الخطابي يجوز دفن ميتين فصاعدا في ثوب واحد عند الضرورة ، كفي قبر ، نقله ميرك عن الأزهار ، ثم الأظهر أن قوله : في ثوب واحد : حال ، أي : كان يجمع بين الرجلين حال كونهما أي : كل واحد منهما في ثوب واحد وهو ثوبه الذي لابسه من غير زيادة ، وأما جمعهما في قبر واحد مستفاد من قوله : ( ثم يقول : أيهم أكثر أخذا ) أي : حفظا أو قراءة ( للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه ) أي : ذلك الأحد . ( في اللحد ) بفتح اللام ، وبضم وسكون الحاء أي : الشق في عرض القبر جانب القبلة ، فإن القرآن إمام لكل مسلم فيكون كذلك قارئه مستحق التقدم في الدنيا والأخرى ، والمراتب العليا في جنة المأوى . ( وقال ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا شهيد ) أي : شاهد ومثن . ( على هؤلاء يوم القيامة ) قال المظهر : أي : أنا شفيع لهم ، وأشهد أنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله اهـ . وأشار إلى أن على بمعنى اللام . قال الطيبي : تعديته بعلى تدفع هذا المعنى ، ويمكن دفعه بالتضمين ، ومنه قوله تعالى : والله على كل شيء شهيد . ( كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ، فالمراد : أنا حفيظ عليهم ، أراقب أحوالهم وأصونهم عن المكاره اهـ . كذا ذكر الطيبـي وهو غير صحيح المعنى بالنسبة إلى القتلى كما لا يخفى . ( وأمر بدفنهم بدمائهم ) الباء الثانية للمصاحبة . ( ولم يصل عليهم ) في الأصول المعتمدة بكسر اللام وهو الظاهر من عطفه على أمر ، وأما قول ابن حجر : وفي رواية للبخاري أيضا بفتح اللام فالله أعلم بصحته . قال الطيبي : فعلم أن الشهيد لا يصلى عليه . قلت : هو معارض بما تقدم ، ورجح الصلاة إما لإثباتها ، أو للاحتياط فيها ، أو للرجوع إلى الأصل عن التساقط ، والله أعلم . قال : وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على حمزة فلمزيد رأفته . قلت : إنما يتم هذا في الجملة لو كانت صلاته منحصرة في حمزة ، وإنما صلى على جميع الشهداء كما سبق ، ومزية حمزة لمزيد الرحمة أنه صلى عليه سبعين مرة ، وقد ثبت أنه أعاد الصلاة عليهم بأن صلى عليهم بعد ثمان سنين صلاته على الميت ، وكأنه كان توديعا لهم . وأما تأويل الصلاة بالدعاء فغير صحيح ; لقوله : صلاته على الميت فإنه لدفع إرادة المجاز ، فاندفع قول ابن حجر : تعين حمله على أنه دعا لهم كدعائه للميت باتفاق منا ، وهو واضح من المخالف إذ لا يصلى عند القبر عنده بعد ثلاثة أيام اهـ . فإنه محمول عندنا على خصوصياته صلى الله عليه وسلم . ( ولم يغسلوا ) هذا مما اتفق عليه العلماء ، ويوافقه خبر أحمد : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تغسيلهم ، وعلله بأن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكا يوم القيامة ، وصح أن حنظلة قتل وهو جنب فلم يغسله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت الملائكة تغسله " فلو وجب غسله لما سقط إلا بفعلنا . ( رواه البخاري ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية