العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ) . قال : فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فوكف المسجد ، فبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين . متفق عليه في المعنى . واللفظ لمسلم إلى قوله : ( فقيل لي : إنها في العشر الأواخر ) والباقي للبخاري .
2086 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول ) : بتشديد الواو كذا في النسخ ، والظاهر بضم الهمزة وتخفيف الواو ، ولعل إفراده باعتبار لفظ العشر ( من رمضان ) : بيان للعشر ( ثم اعتكف العشر الأوسط ) : قال الزركشي : كان قياسه الوسطى ، لأن العشر مؤنث بدليل قوله في الرواية الأخرى : العشر الأواخر ، ووجه الأوسط أنه جاء على لفظ العشر فإن لفظه مذكر ، ورواه بعضهم : الوسط بضمتين جمع واسط كبازل وبذل ، وبعضهم بضم الواو وفتح السين جمع وسطى ككبر وكبرى اهـ . فقول ابن حجر : وفي رواية الموطأ الوسط بضمتين جمع وسطى غير صحيح لأن فعل بضمتين لا يكون جمعا لفعلى ، بل لنحو فاعل ( في قبة تركية ) : وهي قبة صغيرة مستديرة من لبود ، قاله النووي ضربت في المسجد ، يقال لها الخرقان ، وتسمى بالفارسية خركاه . ( ثم أطلع رأسه ) : بسكون الطاء المخففة أي : أخرجه من القبة ( فقال : إني اعتكفت ) : بصيغة المتكلم حكاية حال ماضية تصويرا للاجتهاد في تحريها ، قال الطيبي : وفي نسخة : أعتكف ( العشر الأول ألتمس ) : حال أي : أطلب ( هذه الليلة ) : يعني : ليلة القدر ( ثم أعتكف ) : بالنسختين ( العشر الأوسط ) : قال النووي : كذا في جميع نسخ مسلم ، والمشهور في الاستعمال تأنيث العشر ، وتذكيره أيضا [ ص: 1438 ] لغة صحيحة باعتبار الأيام ، أو باعتبار الوقت والزمان ، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ثم أتيت ) : على بناء المجهول أي أتاني آت من الملائكة ( فقيل لي ) : أي : قال لي الملك ( إنها ) : أي : ليلة القدر ( في العشر الأواخر ) : قال الطيبي : فإن قلت : لم خولف بين الأوصاف فوصف العشر الأول والأوسط بالمفرد ، والأخر بالجمع ؟ قلت : تصور في كل ليلة من ليالي العشر الأخير ليلة القدر فجمعه ، ولا كذلك في العشرين ، ( فمن كان اعتكف ) : أي : أراد الاعتكاف ( معي ) : قال ابن الملك : أي : من أراد موافقتي ، وقال الطيبي : وإنما أمر بالاعتكاف من كان معه في العشر الأول والأوسط لئلا يضيع سعيهم في الاعتكاف والتحري . وقال ابن حجر : ليس للتقييد ، بل لإفهامه أن من لم يكن معتكفا معه أولى ، ( فليعتكف العشر الأواخر ) : قيل : فائدة الجمع هنا تنبيه على أن كل ليلة منها يتصور فيها ليلة القدر بخلاف العشر الأول والأوسط .
قال الطيبي : والأمر بالاعتكاف للدوام والثبات . قال النووي في بعض نسخ مسلم : فليثبت من الثبوت ، وفي بعضها فليلبث من اللبث ، وفي أكثرها : فليبت في معتكفه من المبيت ، وكله صحيح . قال ابن الهمام : قد ورد أنه - عليه الصلاة والسلام - اعتكف في العشر الأوسط ، فلما فرغ أتاه جبريل - عليه الصلاة والسلام - فقال : " إن الذي تطلب أمامك " يعني ليلة القدر ، فاعتكف العشر الآخر ، وعن هذا ذهب الأكثر أنها في العشر الآخر من رمضان ، فمنهم من قال : في ليلة إحدى وعشرين ، ومنهم من قال : في ليلة سبع وعشرين ، وقيل غير ذلك .
وعن أبي حنيفة : أنها في رمضان ، فلا يدرى أية ليلة هي ، وقد تتقدم أو تتأخر ، وعندهما كذلك إلا أنها معينة لا تتقدم ولا تتأخر . هذا النقل عنهم في المنظومة والشروح ، وفي فتاوى nindex.php?page=showalam&ids=16808قاضي خان قال : وفي المشهور عنه أنها تدور في السنة تكون في رمضان ، وتكون في غيره ، فجعل ذلك رواية ، وثمرة الخلاف تظهر فيمن قال : أنت حر ، أو أنت طالق ليلة القدر ، فإن قاله قبل دخول رمضان عتق وطلقت إذا انسلخ ، وإن قال بعد ليلة منه فصاعدا لم يعتق حتى ينسلخ رمضان العام القابل عنده ، وعندهما إذا جاء مثل تلك الليلة من رمضان الآتي قال : وفيها أقوال أخر . قيل : هي أول ليلة من رمضان . وقال الحسن : ليلة سبع عشرة ، وقيل : تسع عشرة . وعن زيد بن ثابت ليلة أربع وعشرين . وقال عكرمة : ليلة خمس وعشرين ، وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد في ذلك رمضان الذي كان - عليه الصلاة والسلام - التمسها فيه ، والسياقات تدل عليه لمن تأمل طرق الأحاديث وألفاظها ، كقوله : إن الذي تطلب أمامك ، وإنما كان يطلب ليلة القدر من تلك السنة ، وغير ذلك مما يطلع عليه الاستقراء ، ومن علاماتها أنها بلجة أي مشرقة ، كذا في النهاية . ساكنة لا حارة ولا قارة ، تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طمست ، كذا قالوا . وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها فينال بذلك أجر المجتهدين في العبادة ، كما أخفى - سبحانه - الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة ، والله أعلم .
( فقد أريت ) : بصيغة المجهول المتكلم ( هذه الليلة ) : أي : معينة ( ثم أنسيتها ) : وفي البخاري : أو نسيتها بضم النون وتشديد السين ، المراد نسيان تعيينها في تلك السنة ، قال الزركشي : قيل : ولعل الحكمة في نسيانها أن لا يشتغل الناس بتعظيمها ، ويتركوا تعظيم سائر الليالي . قال ابن حجر : المراد أنه أخبر بأنها ليلة كذا ، ثم أنسي ما أخبر به ، والمخبر بذلك جبريل ، وأما كونه اطلع عليها فرآها فأمر محتمل . قلت : إذا كان محتملا فكان عليه أن يقول : الظاهر أنه المراد ، قال : ثم رأيت القفال من أئمة أصحابنا ، قال : معناه أنه رأى من يقول له في النوم ليلة القدر لعله كذا ، وعلامتها كذا ، وليس معناه أنه رأى ليلة القدر نفسها لأن مثل ذلك لا ينسى أي في صبيحتها . ( وقد رأيتني ) : أي : في المنام ، ومن خصائص أفعال القلوب اتحاد فاعلها ومفعولها ( أسجد ) : بالرفع حال ، وقيل : تقديره أن أسجد أي ساجدا ( في ماء وطين ) : أي : على أرض رطبة ، ولعل أصله في ماء وتراب ، وسمي طينا لمخالطته به مآلا ، وللإيمان إلى غلبة الماء عليه أو لا . ومنه ما روي : كنت نبيا وآدم بين الماء [ ص: 1439 ] الطين ، مع ما في الآية : خلقته من طين وفي حديث قدسي ( خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا ) ( من صبيحتها ) : وفي المصابيح : في صبيحتها أي : في صبيحة ليلة القدر فنسيت أية ليلة كانت . ( فالتمسوها في العشر الأواخر ) : أي : من رمضان ( والتمسوها من كل وتر ) : أي : من ذلك العشر فإنه أرجى لياليها .
( قال ) : أي : أبو سعيد ( فمطرت ) : بفتحتين ( السماء تلك الليلة ) : أي : التي أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وكان المسجد على عريش ) : بفتح فسكون ، وهو بيت سقفه من أغصان الشجر ، أي : بني على صوغ عريش ، وهو ما يستظل به . قال ابن حجر : أي : على مثل العريش ، لأن عمده كانت جذوع النخل ، فلا يحمل ثقلا على السقف الموضوع عليها ، فالعرش هو نفس سقفه لأنه كان مظلا بالجريد ، والخوص من غير زيادة شيء آخر يكن من المطر الكثير ، انتهى . وقوله : فالعرش هو نفس سقفه ، مخالف لما في النهاية عيدان تنصب ويظلل عليها . وفي القاموس : العريش البيت الذي يستظل به كالعرش ، انتهى . والبيت جدران أربعة من حجر أو مدر أو خشب . ( فوكف المسجد ) : أي : قطر سقفه ونزل ماء المطر من سقفه ( فبصرت ) : أي : رأت ( عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : قيل : يقال بصر بضم الصاد أي : علم ، وقد استعمله أبو سعيد بمعنى أبصرت لا بمعنى علمت ، لأنه قال : فبصرت عيناي ، ولم يورد في كتب اللغة بصر بمعنى رأى فلعله على حذف الزوائد اهـ .
يعني : أن البصر هنا بمعنى الإبصار ، كما في النهاية . وقال البيضاوي في قوله قال بصرت بما لم يبصروا أي : علمت أو رأيت . ( وعلى جبهته أثر الماء والطين ) : جملة حالية . قال الطيبي : قوله : فبصرت عيناي مثل قولك : أخذت بيدي ونظرت بعيني ، وإنما يقال في أمر يعز الوصول إليه إظهارا للتعجب من حصول تلك الحال الغريبة ، ومن ثم أوقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفعولا وعلى جبهته حالا منه ، وكان الظاهر أن يقال : رأيت على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثر الماء والطين .
قال النووي : قال البخاري : كان الحميدي يحتج بهذا الحديث على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة ، وكذا قال العلماء ، وهذا محمول على أنه كان شيئا يسيرا لا يمنع مباشرة بشرة الجبهة للأرض ، فإنه لو كان كثيرا لم تصح صلاته . في شرح السنة ، وفيه دليل على وجوب السجود على الجبهة ، ولولا ذلك لصانها عن الطين . قال ابن حجر : وفيه نظر ، إذ كيف يصونها عنه ، وسجودها عليه جعل علامة له على هذا الأمر العظيم اهـ . وفيه أنه لا يلزم من جعله علامة له أن يسجد عليه من غير صيانة الجبهة بكور عمامة أو كم أو ذيل ، ونحو ذلك . والظاهر أن هذا مراد البغوي ، وإلا فلا منازع له في أن السجود على الجبهة واجب .
قال محيي السنة : وفيه أن ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام قد يكون تأويله أنه يرى مثله في اليقظة ( من صبيحة إحدى وعشرين ) : يعني الليلة التي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ليلة القدر هي ليلة الحادي والعشرين ، كذا قيل . والأظهر أن ( من ) . بمعنى ( في ) وهي متعلقة بقوله : فبصرت ( متفق عليه في المعنى . واللفظ لمسلم إلى قوله : فقيل لي : أنها في العشر الأواخر ، والباقي للبخاري ) : أي : لفظا .