2098 - ( وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس ) ، أي دائما ( بالخير ) اسم جامع لكل ما ينتفع به ( وكان أجود ما يكون ) برفع أجود ، وفي نسخة بالنصب وهو ظاهر ، قال المظهر : ما مصدرية ، وهو جمع ، لأن أفعل التفضيل إنما يضاف إلى جمع ، والتقدير : وكان أجود أوقاته وقت كونه ( في رمضان ) وقال بعضهم : أجود مبتدأ وفي رمضان خبره ، والجملة خبر كان ، واسمه ضمير الشأن ، أو يكون أجود اسم كان ، وفي رمضان حالا ، والخبر محذوف ، أي حاصلا ، وإلا يلزم وقوع المصدر تقديرا ، وقال الطيبي : لا نزاع في أن ( أما ) مصدرية ، والوقت مقدر كما في مقدم الحاج ، والتقدير : كان أجود أوقاته وقت كونه في رمضان ، فإسناد الجود إلى أوقاته - صلى الله عليه وسلم - كإسناد الصوم إلى النهار ، والقيام إلى الليل ( كان جبريل يلقاه ) ، أي ينزل عليه ( كل ليلة في رمضان يعرض ) بكسر الراء ، أي يقرأ ( عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ) قيل : كان - صلى الله عليه وسلم - يعرض على جبريل القرآن من أوله إلى آخره ، بتجويد اللفظ وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها ، ليكون سنة في الأمة ، فيعرض التلامذة قراءتهم على الشيوخ اهـ وهو أحد [ ص: 1447 ] طريقي الأخذ ، والآخر أن يسمع من الشيخ ، وقال ابن حجر : أي على جهة المدارسة كما في رواية أخرى ، وهي أن تقرأ على غيرك مقدارا معلوما ، ثم يقرؤه عليك ، أو يقرأ قدره مما بعده ، وهكذا اهـ فيتحصل الطريقان ، والله أعلم ( فإذا لقيه جبريل كان ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أجود بالخير من الريح المرسلة ) قال الطيبي : يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله تعالى ، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها ، قال - تعالى - والمرسلات عرفا فأحد الوجوه في الآية أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان والمعروف ، ويكون انتصاب عرفا بالمفعول له ، يعني هو أجود من تلك الريح في عموم النفع والإسراع فيه ، فالجهة الجامعة بينهما إما الأمران ، وإما أحدهما ، ولفظ الخير شامل جميع أنواعه بحسب اختلاف ما جاءت الناس به ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يجود على كل أحد منهم بما يسد خلته ويشفي علته ، قال الطيبي : شبه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد ، وشتان ما بين الأثرين ، فإن أحدهما يحيي القلوب بعد موتها ، والآخر يحيي الأرض بعد موتها ، وقال بعضهم : فضل جوده على جود الناس ، ثم فضل جوده في رمضان على جوده في غيره ، ثم فضل جوده في ليالي رمضان ، وعند لقاء جبريل على جوده في سائر أوقات رمضان ، ثم شبه بالريح المرسلة في التعميم والسرعة ، قال ابن الملك : لأن الوقت إذا كان أشرف يكون الجود فيه أفضل ، وقال التوربشتي : أي كان أجود أكوانه حاصلا في رمضان ؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مطبوعا على الجود مستغنيا بالباقيات عن الفانيات ، إذ لو وجد جاد وعاد ، وإذا لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد وكان رمضان أولى من غيره ، لأنه موسم الخيرات ، ولأنه - تعالى - يتفضل فيه على عباده ما لم يتفضل عليهم في غيره ، فأراد متابعة سنة الله ، ولأنه كان يصادف البشرى من الله بملاقاة أمين الوحي ، وتتابع أمداد الكرامة في سواد الليل وبياض النهار ، فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد ، وبشاشة الوجدان ، فينعم على عباد الله بما أنعم الله عليه شكرا لنعمه ( متفق عليه ) قال ميرك : فيه تأمل ، فإن الشيخ الجزري قال : رواه البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، قلت : ولعل مسلما رواه بمعناه ، قال ابن حجر : فإن قلت ما وجه مناسبة ذكر هذا الحديث لهذا الباب ؟ قلت : لأن غاية الأجودية فيه إنما حصلت في حال الاعتكاف لأن أفضل أوقات مدارسة جبريل له العشر الأخير ، وهو في معتكف كما مر في الحديث الأول ، فكان المصنف وأصله يقولان بتأكيد الاعتكاف في العشر الأخير لأن له غايات عليه ، ألا ترى أن غاية جوده - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت تحصل وهو معتكف ؟ وأبدى شارح لذلك مناسبة بعيدة جدا فقال : قلت : من حيث إتيان أفضل ملائكة إلى أفضل خليقة بأفضل كلام من أفضل متكلم في أفضل أوقات ، فالمناسب أن يكون أفضل بقاع اهـ وهو كذا في أصل الشيخ ، والصواب في أفضل أوقات ، أقول : الصواب ما ذكره الشيخ ، فتأمل ! ثم قال الشيخ : وقوله من أفضل متكلم لا ينصرف إلا إلى الله ، وهو حينئذ خطأ قبيح إذ لا يوصف - تعالى - بأنه أفضل ، فكيف من أفضل ؟ قلت : عدم جواز وصفه بأنه أفضل متكلم إن كان من حيث المعنى فهو ممنوع ، وإن كان من حيث التوقيف فمسلم ، لكن جوز مثله جماعة من العلماءكالغزالي وغيره ، فلا يجوز الطعن فيه حينئذ ، فيكون من قبيل أحسن الخالقين ، وأرحم الراحمين ، لا سيما ومقام المشاكلة اقتضى ذلك لتحسين العبارة ، وأما قوله فكيف من أفضل فهو خطأ منه نشأ من غفلة يظن أن من هي التبعيضية وليست كذلك ، بل هي متعلقة بإتيان ، والمعنى من عند أفضل متكلم ، فمن حفر بئرا لأخيه وقع فيه .