صفحة جزء
2143 - وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعلموا القرآن فاقرءوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكا تفوح ريحه كل مكان ، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه .


2143 - ( وعنه ) ، أي عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعلموا القرآن ) ، أي لفظه ومعناه ، قال أبو محمد الجويني : تعلم القرآن وتعليمه فرض كفاية لئلا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه تبديل وتحريف ، قال الزركشي : وإذا لم يكن في البلد أو القرية من يتلو القرآن أثموا بأسرهم ، قال ابن حجر : وفيه وقفة ، إذ المخاطب به جميع الأمة فحيث كان فيهم عدد التواتر ممن يحفظه فلا إثم على أحد ، نعم يتعين في عدد التواتر المذكور أن يكونوا متفرقين في بلاد الإسلام بحيث لو أراد أحد أن يغير أو يحرف شيئا منعوه اهـ وظاهر كلام الزركشي إن كل بلد لا بد فيه أن يكون ممن يتلو القرآن في الجملة لأن تعلم بعض القرآن فرض عين على الكل ، فإذا لم يوجد هناك أحد يقرأ أثموا جميعا ، وأيضا لا يحصل عدد التواتر إلا بما قاله الزركشي وإلا فكل أهل بلد يقول : ليس [ ص: 1477 ] علم القرآن فرضا علينا فينجر إلى فساد العالم - والله أعلم - ويدل عليه قول النووي : والاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة أفضل من صلاة التطوع لأنه فرض كفاية ، وأفتى بعض المتأخرين بأن الاشتغال بحفظه أفضل من الاشتغال بفرض الكفاية من سائر العلوم دون فرض العين منها ( فاقرءوه ) ، أي بعد التعلم وعقيبه ، وفى نسخة بالواو أمر بالأكمل ، وفيه إشارة إلى أن العلم بالتعلم وأنه يجب التجويد وأنه يؤخذ من أفواه المشايخ ، قال الطيبي : الفاء في قوله " فاقرءوه " كما في قوله - تعالى - استغفروا ربكم ثم توبوا إليه أي تعلموا القرآن وداوموا تلاوته والعمل بمقتضاه يدل عليه التعليل بقوله ( فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ وقام به ) ، أي داوم على قراءته أو داوم به ( كمثل جراب ) بالكسر والعامة تفتحه ، قيل : لا تفتح الجراب ولا تكسر القنديل ، وخص الجراب هنا بالذكر احتراما لأنه من أوعية المسك ، قال الطيبي : التقدير : فإن ضرب المثل لأجل من تعلمه كضرب المثل للجواب ، فمثل مبتدأ والمضاف محذوف واللام في لمن تعلم متعلق بمحذوف والخبر قوله كمثل على تقدير المضاف أيضا والتشبيه إما مفرد وإما مركب ( محشو ) ، أي مملوء ملأ شديدا بأن حشي به حتى لم يبق فيه متسع لغيره ( مسكا ) نصبه على التمييز ( تفوح ريحه ) ، أي تظهر وتصل رائحته ( كل مكان ) قال ابن الملك : يعني صدر القارئ كجراب والقرآن فيه كالمسك فإنه إذا قرأ وصلت بركته إلى تاليه وسامعيه ، قلت : ولعل إطلاق المكان للمبالغة ونظيره قوله - تعالى - تدمر كل شيء و أوتينا من كل شيء مع أن التدمير والإيتاء خاص ( ومثل من تعلمه ) بالرفع والنصب ، أي مثل ريح من تعلمه ( فرقد ) ، أي نام عن القيام وغفل عن القراءة أو كناية عن ترك العمل ( وهو ) ، أي القرآن ( في جوفه ) ، أي في قلبه ( كمثل جراب أوكئ ) بصيغة المجهول ، أي ربط ( على مسك ) قال الطيبي : أي شد بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به الأوعية ، قال المظهر : فإن من قرأ تصل بركته منه إلى بيته وإلى السامعين ويحصل استراحة وثواب إلى حيث يصل صوته ، فهو كجراب مملوء من المسك إذا فتح رأسه تصل رائحته إلى كل مكان حوله ، ومن تعلم القرآن ولم يقرأ لم تصل بركته منه لا إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون كجراب مشدود رأسه وفيه مسك فلا تصل رائحته منه إلى أحد ( رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ) وكذا ابن حبان .

التالي السابق


الخدمات العلمية