2265 - ( وعن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى : " من جاء بالحسنة " أي : غير مبطلة ، ولذا لم يقل من فعل الحسنة ، والحسنة المعهودة هنا المرادة في قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أي : بفرد من أفرادها أي فرد كان ( فله عشر أمثال ) : أي ثواب عشر حسنات أمثالها حذف المميز الموصوف ، وأقيم الصفة مقامه ، والحاصل أن له عشر مثوبات كل منها مثل تلك الحسنة في الكيفية ، وهذا أقل المضاعفة في غير الحرم بمقتضى الوعد ، ولذا قال : ( وأزيد ) : أي : لمن أريد الزيادة من أهل السعادة على عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وإلى مائة ألف ، وإلى أضعاف كثيرة ( ومن جاء بالحسنة ) : أي : غير مكفرة وهي المعهودة كما سبق ( فجزاء سيئة مثلها ) أي : عدلا ( أو أغفر ) : فضلا .
قال الطيبي : اختص ذكر الجزاء بالثانية ، لأن ما يقابل العمل الصالح كله إفضال وإكرام من الله ، وما يقابل السيئة فهو عدل وقصاص ، فلا يكون مقصودا بالذات كالثواب ، فخص بالجزاء . وأما إعادة السيئة نكرة فلتنصيص معنى الوحدة المبهمة في السيئة المعرفة المطلقة وتقريرها ، وأما معنى الواو في ( وأزيد ) ، فلمطلق الجمع إن أريد بالزيادة الرؤية ، كقوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وإن أريد بها الأضعاف ، فالواو بمعنى أو التنويعية ، كما هي قوله : " أو أغفر " والأظهر ما قاله ابن حجر : من أن العشر والزيادة يمكن اجتماعهما ، بخلاف جزاء مثل السيئة ومغفرتها ، فإنه لا يمكن اجتماعهما ، فوجب ذكر " أو " الدال على أن الواقع أحدهما فقط ( ومن تقرب ) : أي : طلب القربة ( مني ) : أي : بالطاعة ( شبرا ) : أي : مقدارا قليلا . قال الطيبي : شبرا وذراعا وباعا في الشرط والجزاء منصوبان على الظرفية ، أي : من تقرب إلي مقدار شبر تقربت ) أي : الرحمة ( منه ذراعا ) قيل : أي : أوصلت رحمتي إليه مقدارا أزيد منه ، وقيل : المراد منه والله أعلم مجازاته وإثابته بأضعاف ما يتقرب به إلى الله تعالى ، وسمي الثواب تقربا على سبيل المقابلة والمشاكلة ، أو لأنه من أجله وبسببه ، وقيل : تقرب الباري سبحانه إليه بالهداية وشرح صدره لما تقرب به إليه ، وكان المعنى إذا قصد ذلك وعمله أعنته عليه وسهلته له .
قال الطيبي : هذا الحديث من أحاديث الصفات ، ويستحيل إرادة ظاهره ، فمعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي ( ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ) : وهو قدر مد اليدين ، وما بينهما من البدن ، وعلى هذا كلما زاد العبد قربة من الله تعالى زاد الله رحمته به ، فذكر الذراع للتمثيل والتصوير لإفهامهم لمجازاة العبد فيما يتقرب به إلى ربه بمضاعفة لطفه وإحسانه ( ومن أتاني ) : حال كونه ( يمشي ) : أي : في طاعتي ( أتيته هرولة ) : وهي الإسراع في المشي دون العدو ، أي : صببت عليه الرحمة ، وقيل : أي : من تقرب مني بسهولة وصلت إليه رحمتي بسرعة . قال الطيبي : وهي حال أي : مهرولا ، أو مفعول مطلق ؛ لأن الهرولة نوع من الإتيان ، فهو كرجعت القهقرى ، لكن الحمل على الحال أولى ؛ لأن قرينة يمشي حال لا محالة . قال ابن حجر : وهذا كالشرح لما أفهمه إعطاء العشر ، والزيادة في مقابلة الحسنة من أن سعة تفضله على عباده بلغت الغاية التي ما وراءها غاية .
[ ص: 1544 ] قلت : كما يدل على سعة مغفرته المذكورة في قوله : " أو أغفر " قوله : " ومن لقيني بقراب الأرض " : بضم القاف ويكسر ، أي : بمثلها مأخوذ من القرب . وقال الطيبي : أي : بما يقرب ملأها من الصغائر والكبائر ( خطيئة ) : تمييز ( لا يشرك بي ) : حال من فاعل لقيني العائد إلى من ، ( شيئا ) : مفعول مطلق ، أو مفعول به أخذ من قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ( لقيته بمثلها مغفرة ) : أي : إن أردت ذلك له لقوله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ونكتة حذفه في الحديث استغناء بعلمه منها ، ومبالغة في سعة باب الرجاء .
قال الطيبي : المقصود من الحديث دفع اليأس بكثرة الذنوب ، فلا ينبغي أن يغتر في الاستكثار من الخطايا ، قال ابن الملك : فإنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، ولا يعلم أنه من أيهم اهـ . أي : يغفر لمن يشاء على الذنب الكبير ، ويعذب من يشاء على الذنب الحقير ، أو يغفر لمن يشاء الذنوب الكثيرة ، ويعذب من يشاء على السيئة الصغيرة ، وهذا المقصود من آخر الحديث ، وأما أوله : ففيه الترغيب والتحثيث على المجاهدة في الطاعة والعبادة دفعا للفتور والتكاسل والقصور ، فالحديث معجون مركب نافع لأمراض قلوب السالكين ، ومحرك لشوق الطالبين ، ومقو لصدور المذنبين .
واعلم أنه قلما يوجد في الأحاديث حديث أرجى من هذا الحديث ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - رتب قوله : " لقيته بمثلها مغفرة " على عدم الإشراك بالله فقط ، ولم يذكر الأعمال الصالحة ، لكن لا يجوز لأحد أن يغتر ويقول : إذا كان كذلك أكثر الخطيئة حتى يكثر الله المغفرة ، وإنما قال تعالى ذلك كيلا ييأس المذنبون من رحمته ، ولا شك أن لله مغفرة وعقوبة ، ومغفرته أكثر ، ولكن لا يعلم أحد أنه من المغفورين ، أو من المعاقبين لإبهام قوله تعالى : فريق في الجنة وفريق في السعير فإذا ينبغي أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء ، فإن الذي دل عليه الأحاديث المتواترة المعنى ، وصار كالمعلوم من الدين بالضرورة - ولذا كفر منكره أنه - لا بد من دخول جماعة من موحدي هذه الأمة النار ، ثم خروجهم عنها ، مع أن العبرة بحسن الخاتمة ، وهي حالة مبهمة ( رواه مسلم ) .
قال ابن حجر ، كما في النسخة المعتمدة : واغتر شارح بنسخة سقيمة وحدها مخالفة لذلك ، فاعترض بسببها على المصابيح بما ليس في محله اهـ . ولم يعرف الشارح ولا وجه للاعتراض فهو تجهيل مجهول عند أهل العلم غير مقبول ، إذ ليس تحته محصول .