2267 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10357671إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم " : قال : " فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا " قال : " فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : ما يقول عبادي ؟ قال : " يقولون : يسبحونك ويكبرونك ، ويحمدونك ويمجدونك " قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ما رأوك قال : " فيقول : كيف لو رأوني ؟ " قال : فيقولون : " لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ، وأشد لك تمجيدا ، وأكثر لك تسبيحا " قال : فيقول فما يسألون ؟ قالوا : يسألونك الجنة ، قال : " يقول : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا والله يا رب ما رأوها قال : " فيقول : فكيف لو رأوها ؟ " قال " : " يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا ، وأشد لها طلبا ، وأعظم فيها رغبة . قال : فمم يعوذون ؟ " قال : " يقولون : من النار " قال : " يقول : فهل رأوها ؟ " قال : " يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ؟ " قال : " يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ، وأشد لها مخافة " قال : فيقول : " فأشهدكم أني قد غفرت لهم " . قال : " يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة . قال : هم الجلساء لا يشقى جليسهم " ( رواه البخاري ) .
2267 - ( وعنه ) : أي : عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله ملائكة يطوفون " : أي : يدورون في الطرق ) : أي : طرق المسلمين ، وفي نسخة . بالطرق ( يلتمسون أهل الذكر ) : أي : يطلبونهم ليزوروهم ويستمعوا ذكرهم ( فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ) : بأي ذكر كان ، وأما قول الطيبي : المراد بالذكر التسبيح والتكبير والتحميد والتمجيد ، ولم يذكر التهليل لدلالة التمجيد عليه ، وينصره رواية مسلم التهليل بدل التمجيد ، فمبني على أخذه من ظاهر الحديث ، والأظهر أن المراد هو الأعم والمذكورات تمثيلات ، أو يرجع جميع معنى الأذكار إلى المورودات ، فتأمل فإن قراءة القرآن من كل ذكر أفضل ، ومن جملة الأذكار الأدعية والاستغفار ، وفيه دلالة على أن للاجتماع على الذكر مزية ومرتبة ( تنادوا ) : أي : نادى بعض الملائكة بعضا قائلين : ( هلموا ) : أي : تعالوا مسرعين ( إلى حاجتكم ) : أي : من استماع الذكر وزيارة الذاكر وإطاعة المذكور ، واستعمل ( هلم ) هنا على لغة بني تميم أنها تثنى وتجمع وتؤنث ، ولغة الحجازيين بناء لفظها على الفتح وبقاؤه بحاله مع المثنى والجمع والمؤنث ، ومنه قوله تعالى : قل هلم شهداءكم .
( قال : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فيحفونهم بأجنحتهم " : قيل : الباء للتعدية أي : يديرون أجنحتهم حول الذاكرين ، وقيل للاستعانة أي : يطوفون ويدورون حولهم لأن حقهم الذي ينتهي إلى السماء إنما يستقيم بالأجنحة ، والذي يظهر من رواية مسلم الآتية أن معناه فيحف بعضهم بعضا باستعانتها ، ويمكن الجمع بأنهم يحفون الذاكرين ثم يحف بعضهم بعضا ويتوجهون ( إلى السماء الدنيا ) : قال الطيبي : أي : يقف بعضهم فوق بعض إلى السماء الدنيا ، وأما قول ابن حجر : فتسبق منهم فرقة ، فيحيطون بهم ويسترونهم بأجنحتهم ، ثم تلحقها فرقة أخرى فتحفهم [ ص: 1547 ] وتسترهم كذلك ، وهكذا إلى أن يصلوا إلى عنان السماء الدنيا ، فموقوف صحته على نقل مرفوع ، وإلا فهو مدفوع لعدم الاحتياج إليه في صحة حمل الكلام عليه ، ثم أغرب ونقل عن الطيبي أنه قال : الظاهر أن الباء للاستعانة ، ثم قال : وكون ذلك ظاهرا فيه وقفة انتهى . ووجه غرابته أن قول ابن حجر ( ويسترونهم بأجنحتهم ) صريح في معنى الاستعانة دون التعدية ففي معارضته مناقضة . ( قال : فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ) : أي : منهم . قال الطيبي رحمه الله : ( وهو أعلم ) : حال ، والأحسن أن تكون معترضة أو تتميما صيانة عن التوهم ، يعني لتوهم أن تكون الحال منتقلة ، والحال أنها مؤكدة ، وهو في غاية من التدقيق وغاية في التحقيق ، وأغرب ابن حجر حيث قال : ولا عبرة بهذا التوهم لو سلم ، كيف والمقصود رفع إيهام فيسألهم ، انتهى فتأمل .
( ما يقول عبادي ؟ ) الإضافة للتشريف ، وفائدة السؤال مع العلم بالمسئول التعريض للملائكة بقولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها الآية قال : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( يقولون ) : أي : الملائكة : ( يسبحونك ) : أي : عبادك يسبحونك ( ويكبرونك ، ويحمدونك ) : بالتخفيف ( ويمجدونك ) : بالتشديد أي : يذكرونك بالعظمة أو ينسبونك إلى المجد ، وهو الكرم ، وقيل : ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله ، وفي رواية مسلم الآتية : ذكر التهليل بدل التمجيد ، وهو يدل على أن ذكر هذه الأنواع ليس للاشتراط ، بل للتمثيل به لحصول المقصود ببعضها وبغيرها ، والغرض من الكل إفادة التهليل الذي هو لب التوحيد وخلاصة التفريد ( قال : فيقول ) : أي : الله ( هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ) : أقسموا زيادة في مدح الذاكرين ( ما رأوك ) : فيه تنبيه على أن تسبيح بني آدم وتقديسهم أعلى وأشرف ؛ لأنه في عالم الغيب مع وجود الموانع وتقديس الملائكة في عالم الشهادة بلا صارف ( قال : فيقول ) : أي : الله ( كيف لو رأوني ؟ ! ) : تعجب وتعجيب وجواب لما دل عليه كيف ؟ لأنه سؤال عن الحال أي : لو رأوني ما يكون حالهم في الذكر ؟ ( قال : فيقولون ) : وفي نسخة ، يقولون : ( لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ، وأشد لك تمجيدا ) : أي : تعظيما ( وأكثر لك تسبيحا ) : فيه إيماء إلى أن تحمل مشقة الخدمة على قدر المعرفة والمحبة ( قال : فيقول : فما يسألون ؟ ) : أي : مني ( قالوا : يسألونك الجنة ) : فيه إشارة إلى أن سؤال الجنة ليس بمذموم فإنها دار الجزاء واللقاء ، وإنما ذم من لا يعبد الله إلا لرجاء الجنة أو لخوف النار ، فإن الله تعالى يستحق العبادة لذاته . ( قال : يقول : وهل رأوها ؟ : فيه إشعار بأن الجنة مخلوقة موجودة حسية ( فيقولون ) : وفي نسخة قال : فيقولون ( لا والله يا رب ما رأوها : قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : ( لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا ، وأشد لها طلبا ) وأعظم فيها رغبة ) لأن الخبر ليس كالمعاينة ( قال ) : أي : الله ( فمم ) : أي : فمن أي شيء ( يتعوذون ؟ قال : يقولون من النار ) : لأنها أثر غضب الله وعقابه ومحل أصحاب بعده وحجابه ( قال : فيقول : فهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها . قال : ( يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ) : بفرارهم عما يجر إليها ( وأشد لها مخافة ) : أي : خوفا في قلوبهم بكثرة الاستعاذة منها ، وهذا بسط عظيم في السؤال ، والجواب اقتضاه كثرة ذكر رب الأرباب في جمع أولي الألباب ، ولعل هذا هو المعني بقوله : من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه . وفي الحديث إشعار بأفضلية العبادة في عالم الغيب كما أن الإيمان بالغيب أفضل من الإيمان بالشهادة ، ولهذا قيل : المكاشفة التامة لأولياء الأمة ، ثم ما ذكر مخصوص بالمؤمنين ، وأما الكافرون فكما [ ص: 1548 ] قال تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ( قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم ) : أي : بذكرهم ; فإن الحسنات يذهبن السيئات . ( قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ) : كناية عن اسمه ونسبه ( ليس منهم ) : أي : من الذاكرين حال من المستتر في الخبر ، وقيل : من فلان على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ( إنما جاء ) : أي : إليهم ( لحاجة ) : أي : دنيوية له ، فجلس معهم يريد الملك بهذا أنه لا يستحق المغفرة ، ( قال : هم الجلساء ) : أي : الكاملون ( لا يشقى ) : بفتح الياء ( جليسهم ) : أي : مجالسهم . قال الطيبي : أي : هم جلساء لا يخيب جليسهم عن كرامتهم فيشقى انتهى . وفي الحديث ترغيب في مخالطة أهل الذكر . قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال بعض العارفين : اصحبوا مع الله فإن لم تقدروا فاصحبوا مع من يصحب مع الله ( رواه البخاري ) .
( وفي رواية مسلم ، قال : إن لله ملائكة سيارة ) : أي : كثيرة السير ، ومنه أخذ سياحة الصوفية ( فضلا ) : صفة بعد صفة للملائكة وهو بضمتين وسكون الثاني تخفيفا ؟ جمع فاضل كبزل وبازل ونشر وناشر ، وهو من فاق أصحابه وأقرانه علما و شرفا . وفي نسخة بفتح فسكون ، وفي نسخة " فضلاء " على وزن العلماء . قال السيد جمال الدين : روايتنا في المشكاة " فضلا " بفتح الفاء وسكون الضاد ، وبضم الفاء وسكون الضاد ، وبضم الفاء والضاد ، وبضم الفاء وفتح الضاد ممدودا . وفي الأوجه الأربعة بالنصب ، وفي شرح مسلم قوله : فضلا ضبطناه على أوجه أحدها : وهو أرجحها وأشهرها في بلادنا فضلا بضم الفاء والضاد ، والثاني : بضم الفاء وإسكان الضاد ، ورجحه بعضهم وادعى أنه أكثر وأصوب ، والثالث : بفتح الفاء وإسكان الضاد . قال القاضي : هكذا الرواية عند جمهور مشايخنا في البخاري ومسلم ، والرابع : بضم الفاء والضاد ، ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والخامس : فضلاء بالمد جمع فاضل ، قال العلماء : معناه على جميع الروايات أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم ، لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر ا هـ .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس ( يبتغون ) : أي : يطلبون ( مجالس الذكر ) : وفي نسخة : يتبعون بتشديد التاء وكسر الموحدة ، وفي نسخة بالتخفيف وفتحها ، وفي نسخة صحيحة يتتبعون من التفعل . وفي شرح مسلم ضبطوه على وجهين . أحدهما : بالعين المهملة من التتبع ، وهو البحث عن الشيء والتفتيش ، والثاني : يبتغون بالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب وكلاهما صحيح . وقال ابن حجر : يبتغون من الابتغاء ، ويروى يتتبعون من التتبع . ( فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر ) : أي : غالبا ( قعدوا معهم ) : أي : الذاكرين ( وحف بعضهم ) : أي : بعض الملائكة ( بعضا ) : أي : بعضا آخر منهم ( بأجنحتهم ) : أي : باستعانتها ( حتى يملئوا ) أي : الملائكة ( ما بينهم ) : أي : بين الذاكرين ( وبين السماء الدنيا ، فإذا تفرقوا ) : أي : أهل الذكر ( عرجوا ) : أي : الملائكة ( وصعدوا ) : بكسر العين أي : طلعوا ( إلى السماء ) : أي : السابعة ( قال : فيسألهم الله ، وهو أعلم ) : أي : بهم أو بحالهم كما في نسختين ( من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عبادك ) : فيه غاية تشريف لبني آدم حال كونهم ( في الأرض يسبحونك ، ويكبرونك ، ويهللونك [ ويمجدونك ] ويحمدونك ويسألونك قال : وماذا يسألوني ) : بتشديد النون وتخفف ( قالوا : يسألونك جنتك ) قال : وهل رأوا جنتي ؟ قالوا : لا يا رب ! قال : وكيف لو رأوا جنتي ؟ ! ) قال الطيبي : جواب ( لو ) ما دل عليه كيف ؛ لأنه سؤال عن الحال أي : لو رأوا جنتي ما يكون حالهم في الذكر .
[ ص: 1549 ] فإن قلت : ما الفرق بين مجيء جواب الملائكة في رواية البخاري : لو أنهم رأوها إلخ ، وبين عدم ذكر الجواب في رواية مسلم ؟ قلت : ( كيف ) في رواية البخاري لمجرد السؤال عن الحال ، وفي رواية مسلم للتعجيب والتعجب مثلا ( قالوا : ويستجيرونك ) : عطف على " ويسألونك " والجملة من السؤال والجواب فيما بينهما معترضة أي : يستعيذونك ( قال : ومما يستجيروني ؟ ) : بالوجهين ( قالوا : من نارك قال : وهل رأوا ناري ؟ قالوا : لا ، قال : فكيف لو رأوا ناري ؟ قالوا : يستغفرونك ) : أي : أيضا . وفي نسخة : ويستغفرونك بالعطف ( قال : فيقول : قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا ) : لعل العدول عن الواو إلى الفاء لترتيب الإعطاء على المغفرة ( وأجرتهم ) : من أجاره يجيره إذا أمنه من الخوف ( مما استجاروا ) : أي : طلبوا الأمان ( قال : يقولون : " رب ! ) : أي : يا رب ( فيهم فلان عبد خطاء ) : أي : كثير الذنوب أو ملازم للذنب ، بدل من فلان ( إنما مر ) : أي : لحاجة ( فجلس معهم ) : قال الطيبي : أي : ما فعل فلان إلا المرور والجلوس عقيبه أي ما ذكر الله تعالى ا هـ أي : ما ذكر الله قصدا أو إخلاصا وإلا فسماع الذكر ذكر ( قال : فيقول : وله غفرت ) : أي : أيضا أو بطفيلهم يعني غفرت لهذا العبد أيضا ببركة الذاكرين . وقال الطيبي : أي : غفرت لهم وله ، ثم أتبع غفرت تأكيدا أو تقريرا ( وهم القوم ) : قال الطيبي : تعريف الخبر يدل على الكمال أي : هم القوم الكاملون فيما هم فيه من السعادة ( لا يشقى ) : أي : لا يتعب أو لا يصير شقيا ( بهم ) : أي : بسببهم وببركتهم ( جليسهم ) : أي : مجالسهم ، والجملة صفة ؛ لأن المعرف بلام الجنس كالنكرة ، أو حال ، ويجوز كونها استئنافا لبيان مزيد كمالهم . قال ابن الملك : أي : لا يحرم من الثواب بل يجد من بركتهم نصيبا . وفي هذا ترغيب العباد في مجالسة الصلحاء لينالوا نصيبا منهم .