رواه مالك ، وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، إلا أن مالكا وقفه على nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء .
[ الفصل الثاني ]
2269 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ) : قال الطيبي : رجل أدرد ليس في فيه سن ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا أنبئكم ) : أي : ألا أخبركم ( بخير أعمالكم ) : أي : أفضلها ( وأزكاها ) : أي : أنماها وأنقاها ( عند مليككم ؟ ) : أي : في حكم ربكم ( وأرفعها في درجاتكم ؟ وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ؟ ) : بكسر الراء ، ويسكن أي : الفضة ، في مرضاة الله ( وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ) : أي : خير من بذل الأموال والأنفس في سبيل الله بأن تجاهدوا الكفار ( تضربوا أعناقهم ) : أي : أعناق بعضهم ( ويضربوا ) : أي : بعضهم ( أعناقكم ؟ ) وهذا تصوير لأعلى مراتب المجاهدة . قال الطيبي : قوله : " وخير " مجرور عطفا على خير أعمالكم من حيث المعنى ؛ لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم وأنفسكم في سبيل الله . وقال ابن حجر : عطف على خير أعمالكم عطف خاص على عام ؛ لأن الأول خير الأعمال مطلقا ، وهذا خير من بذل الأموال والأنفس ، أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال الأعمال اللسانية ، فيكون ضد هذا ، لأن بذل الأموال والنفوس من الأعمال الفعلية اهـ . ومراده بضده مغايره .
( قالوا : بلى . قال : ذكر الله ) : قال ابن الملك : المراد الذكر القلبي ، فإنه هو الذي له المنزلة الزائدة على بذل الأموال والأنفس ؛ لأنه عمل نفسي ، وفعل القلب الذي هو أشق من عمل الجوارح ، بل هو الجهاد الأكبر ، لا الذكر باللسان المشتمل على صياح وانزعاج وشدة تحريك العنق واعوجاج كما يفعله بعض الناس زاعمين أن ذلك جالب للحضور ، وموجب للسرور ، - حاشا لله - بل سبب الغيبة والغرور اهـ .
ولا شك أن الذكر يطلق على الجناني وعلى اللساني ، وأن المدار على القلب الذي يتقلب بسبب ذكر المذكور من الغيبة إلى الحضور ، وإنما اللفظي وسيلة ، ولحصول الوصول وصلة ، واختلف المشايخ في أيهما أفضل بالنسبة إلى المبتدئ ؟ وإن كان ينتهي المنتهي أيضا إلى الذكر القلبي ، وأما الأمور البدعية والأغراض الدنيوية ، فخارجة عن الأنواع الذكرية ، ولا ريب أن الجمع بينهما أكمل ، وفي تحصيل المثوبة أفضل . والظاهر أنه المراد هنا ؛ لأن المجاهد المذكور والمقاتل المشكور لا يخلو عن الذكر القلبي ، اللهم إلا أن يقال : المراد أن ذكره القلبي الذي هو الجهاد الباطني أفضل من مضاربته التي هي الجهاد الظاهري ، فيكون الحديث نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر كان الذاكر لله أفضل " كما رواه الطبراني عن أبي موسى ، فاندفع ما تحير فيه ابن حجر حيث قال : وكون الذكر الشامل للقرآن خيرا من بقية الأعمال اللسانية ظاهر ، ومن إنفاق الأموال وبذل النفوس لله مشكل إذ قضية كلام أئمتنا العكس اهـ .
ولدفع هذا الإشكال وما يترتب عليه من المقام . قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده : هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات ، بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها ، فإذا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف اهـ . وهو القول الحق .
[ ص: 1552 ] وأما قول ابن حجر : إنه جرى على الأخذ بظاهر الحديث مع قطع النص عن مقتضى كلام الأئمة ، فهو تقليد مطلق ، ثم أغرب وقال : الإنفاق يقطع داء البخل ، وبذل النفس يقطع داء الجبن ، وإدمان الذكر لا يقطع شيئا من هذين الداءين اللذين لا أخبث منهما ، بل لا يجدي إلا حد المقصود اهـ . وهو مبني على غفلته عن معنى الذكر وحقيقته ، فإنه لا يرتفع جميع العلل الظاهرة والباطنة إلا بالذكر المؤثر في القلب الذي هو سلطان الأعضاء ، ومنه ينشأ بذل الأموال والأنفس وغيرها ، وبدونه إنما هو خسارة مال وضياع نفس لا فائدة فيهما ، حيث لا تقرب بهما .
ولهذا قال شارح : ولعل الخيرية والأرفعية في الذكر لأجل أن سائر العبادات من إنفاق الذهب والفضة ، ومن ملاقاة العدو والمقاتلة معهم ، إنما هي وسائل ووسائط يتقرب العباد بها إلى الله تعالى ، فاذكروني أذكركم وأنا جليس من ذكرني وأنا معه إذا ذكرني ، الحديث . وغير ذلك ، ولذا قال الغزالي بعدما دخل في مقام الذكر : ضيعت قطعة من العمر في الوجيز والوسيط والبسيط ، بل يعد العارفون الغفلة من أنواع الردة ولو خطرة على سبيل المبالغة كما قال :
ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي
ثم لا ارتياب أن أفضل الذكر قول لا إله إلا الله ، وهي القاعدة التي بني عليها أركان الدين ، وهي الكلمة العليا ، وهي القطب الذي يدور عليها رحى الإسلام ، وهي الشعبة التي أعلى شعب الإيمان . قال الطيبي : بل هو الكل وليس غيره قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ، إذ الوحي مقصور على استئثار الله تعالى بالوحدانية ، لأن المقصود الأعظم من الوحي هو التوحيد وسائر التكاليف متفرع عليه ، ثم قال : ولأمر ما تجد العارفين وأرباب القلوب واليقين يستأثرونها على سائر الأذكار ، لما رأوا فيها خواص ليس الطريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق ا هـ .
ومما يوضح لك ذلك أن السيد علي بن ميمون المغربي لما تصرف في الشيخ علوان الحموي ، وهو كان مفتيا مدرسا ، فنهاه عن الكل ، وأشغله بالذكر فطعن الجهال فيه بأنه أضل شيخ الإسلام ، ومنعه عن نفع الأنام ، ثم بلغ السيد أنه يقرأ القرآن أحيانا ، فمنعه منه ، فقال الناس : إنه زنديق يمنع من تلاوة القرآن الذي هو قطب الإيمان ، وغوث الإيقان ، لكن طاوعه المريد إلى أن حصل له المزيد ، وانجلت مرآة قلبه ، وحصل له مشاهدة ربه ، فأذن له في قراءة القرآن ، فلما فتح المصحف فتح عليه الفتوحات الأزلية والأبدية ، وظهر له كنوز المعارف والعوارف الظاهرية والباطنية ، فقال السيد : أنا ما كنت أمنعك عن القرآن ، وإنما كنت أمنعك عن لقلقة اللسان والغفلة عما فيه من البيان في هذا الشأن ، والله المستعان ( رواه مالك ، وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ) : وكذا الحاكم في المستدرك ( إلا أن مالكا وقفه ) : بالتخفيف ( على nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ) : يعني : والباقون رفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يضر لأن الحكم لمن وصل لا لمن وقف ؛ لأن مع الأول زيادة العلم بالوصل وزيادة الثقة مقبولة ، ولأن هذا مما لا يقال من قبل الرأي فوقفه كرفع غيره .