صفحة جزء
2270 - وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - ، قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أي الناس خير ؟ فقال : " طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله " قال : يا رسول الله ! أي الأعمال أفضل ؟ قال : " أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله " ( رواه أحمد والترمذي ) .


2270 - ( وعن عبد الله بن بسر ) : بضم الموحدة وسكون السين المهملة . قال ابن حجر وفي نسخة " نمير " اهـ . والظاهر أنه تصحيف ( قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أي الناس خير ؟ ) : أي : أفضل حالا وأطيب مآلا ( فقال : طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) : فعلى من الطيب ، والمراد بها الثناء عليه والدعاء له بطيب حاله في الدارين ، كذا ذكره ابن حجر . والأظهر أنه خبر ؛ لأنه في جواب : أي الناس خير ؟ ويمكن أن يكون المراد من طوبى الجنة ، أو شجرة في الجنة تعم أهلها وتشمل محلها . قال الطيبي : ظاهر الجواب من طال عمره وحسن عمله كأنه قال : غير خاف أن خير الناس من ذكر ، والمهم أن تدعو له فتصيب من بركته اهـ . وتبعه ابن حجر

[ ص: 1553 ] والأظهر أنه إخبار عن طيب حاله وحسن مآله ، فيكون متضمنا للجواب ببلاغة مقاله . وقال ابن الملك : إنما عدل في الجواب إلى أمارات تدل على حال المسئول عنه من سعادته في الدارين إذا طال عمره وحسن عمله ؛ لأن العلم ، بالمسئول عنه من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها . اهـ .

وإذا فتشت هذا الكلام ترى هباء منثورا بلا بقاء ونظام ، ثم خطر ببالي أنه - صلى الله عليه وسلم - لعله زاد كلمة ( طوبى ) لتكون كلمة جامعة ، وحكمة رابعة مستقلة غير تابعة للسؤال المانع عن الاستقلال ، وكذا رواه الطبراني ، وأبو نعيم في الحلية من غير ذكر سبب الورود . ( قال : يا رسول الله ! أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( أن تفارق الدنيا ولسانك ) : الواو للحالية ( رطب ) : أي : قريب العهد أو متحرك طري ( من ذكر الله ) : والذكر يشمل الجلي والخفي ، واللسان يحتمل القلبي والقالبي ، ولا منع من الجمع ، بل هو أدعى إلى مقام الجمع ، وفيه الإشارة إلى أن أفضل الأعمال ما يختم به الأحوال ، ويمكن أن يراد بمفارقة الدنيا الزهد في الدنيا ، وبرطب اللسان بل القلب بذكر المولى ، فإن الإناء يترشح بما فيه ، ومن أحب شيئا أكثر ذكره بفيه ، وقال الطيبي : رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه ، كما أن يبسه عبارة عن ضده ، وسهولة الجريان بالمداومة فكأنه قيل : أفضل الأعمال مداومة الذكر ، فإن الذكر هو المقصود وسائر الأعمال وسائل إليه ( رواه أحمد ، والترمذي ) .

وروى ابن حبان والبزار والطبراني عن معاذ قال : آخر كلام فارقت عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قلت : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : ( أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله ) وزاد الطبراني ، قلت : يا رسول الله : أوصني . قال : ( عليك بتقوى الله ما استطعت ، واذكر الله عند كل حجر وشجر ، وما عملت من سوء فأحدث لله فيه توبة ، السر بالسر والعلانية بالعلانية ) اهـ . قال ميرك : وكان هذا حين أرسله - صلى الله عليه وسلم - حاكما إلى اليمن في آخر وداعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية