2420 - ( وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره ) أي : استقر على ظهر مركوبه ( خارجا ) أي : من البلد مائلا أو منتهيا ( إلى سفر كبر ثلاثا ) ولعل الحكمة أن المقام مقام علو وفيه نوع عظمة فاستحضر عظمة خالقه ، ويؤيده أن المسافر إذا صعد عاليا كبر وإذا نزل سبح ، ويمكن أن يكون التكبير للتعجب من التسخير ويؤيده ما ورد من حديث علي - كرم الله وجهه - رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والحاكم عنه أنه - عليه الصلاة والسلام - كان إذا وضع رحله في الركاب قال : ( بسم الله ) فإذا استوى على ظهرها قال : ( الحمد لله ) ( ثم قال ) أي : اقرأ كما في رواية أي : قال بنية القراءة امتثالا لقوله تعالى : وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر أي : ذلل ( لنا هذا ) أي : المركوب فانقاد لأضعفنا ( وما كنا له مقرنين ) أي : مطيقين قبل ذلك ، أو المعنى ولولا تسخيره ما كنا جميعا مقتدرين على ركوبه ، من أقرن له إذا أطاقه وقوي عليه ، وهو اعتراف بعجزه وأن تمكنه من الركوب عليه بما هو بأقدار الله تعالى وتسخيره ( وإنا إلى ربنا ) أي : لا إلى غيره ( لمنقلبون ) أي : راجعون ، واللام للتأكيد وفيه إيماء إلى أن استيلاءه على مركب الحياة كهو على ظهر الدابة ولابد من زوالها عن قرب حتى يستعد للقائه تعالى لا سيما والركوب قد يؤدي إلى الموت بتنفير الدابة ونحوه ، وهذا الدعاء يسن عند ركوب أي دابة كانت لسفر أو غيره ، فقوله تعالى : ( من الفلك والأنعام ) المراد به الإبل لغالب الواقع في بلاد العرب ، وقول الراوي خارجا إلى السفر حكاية للحال ودلالة على ضبط المقال ، قال الطيبي : الانقلاب إليه هو السفر الأعظم فينبغي أن يتزود له ( اللهم ) وفي رواية وقال : اللهم ( إنا نسألك في سفرنا هذا ) أي : السفر الحسي ( البر ) أي : الطاعة ( والتقوى ) أي : عن المعصية ، أو المراد من البر الإحسان إلى الناس ، أو من الله إلينا ، ومن التقوى ارتكاب الأوامر واجتناب الزواجر وفيه إشارة إلى قوله تعالى : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( ومن العمل ) أي : جنسه ( ما ترضى ) أي : به عنا ، قال ابن حجر : وفي نسخة قبله تحب ، أقول : والله تعالى أعلم بصحتها ، قال : فيكون من عطف الرديف عندنا معشر أهل السنة إذ المحبة والرضا مترادفان وهما غير المشيئة والإرادة المترادفين أيضا ، وفيه أنه لا خلاف في كونه عطف الرديف كما يدل عليه كلامه ، وإنما الخلاف في أنهما مرادفان للإرادة والمشيئة ، أو مغايران لهما ، أو بينهما عموم وخصوص وهو الصحيح كما سيظهر لك ، فالمعتزلة على تلازم الإرادة والمحبة والرضا والأمر أيضا واستدلوا بقوله : ( ولا يرضى لعباده الكفر ) و ( إن الله لا يأمر بالفحشاء ) ولنا قوله تعالى : ولو شاء لهداكم أجمعين وقول السلف قاطبة قبل ظهور أهل البدعة : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وهنا مبحث يطول فيه الكلام ، وليس هنا محل تحقيق المرام ، ومجمله مما يناسب المقام أن كتب أهل السنة مختلفة في هذه المسألة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : إن من حقق لم يقع عن القول بأن المعاصي بمحبته ، ونقله بعضهم بمعناه عن الأشعري لتقارب الإرادة والمحبة في المعنى اللغوي ، فإن من أراد شيئا أو شاءه فقد رضيه وأحبه ، قال ابن الهمام : وهذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين خلاف كلمة أكثر أهل السنة اهـ وقال شارح العقيدة المنظومة لليافعي : إن الإرادة والمشيئة والمحبة والرضا معناها واحد عند جمهور أهل السنة ، وقال بعضهم ومنهم ابن السبكي في جمع الجوامع : إن الإرادة والمشيئة متفقان في المعنى ، والمحبة والرضا غيره واستدل بقوله تعالى : ولا يرضى لعباده الكفر وبقوله : ولو شاء ربك ما فعلوه وأجاب الجمهور بأنه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر لأنه لم يرده لهم ، ويرضاه للكفار لأنه أراده لهم ، أو أنه لا يرضاه شرعا ودينا يثيب عليه ، ويرضاه معصية ومخالفة يعاقب عليها اهـ وحاصله أن النفي والإثبات واردان على شيئين مختلفين بالحيثية مع أنهما واحد في الحقيقة ، كما قيل في الإشكال المشهور من أن الرضا بالقضاء واجب والرضا بالكفر كفر ، مع أن الكفر بالقضاء مجيبا بأنه يرضى بالكفر من حيث إنه فعل الله ، ولا يرضى به من حيث إنه كسب العبد ، وقال أستاذنا الشيخ عطية السلمي - رحمه الله - في تفسيره : إن ما تعلق به الثواب يقال فيه إن الله رضيه وأحبه ويقال فيه أيضا أراده وشاءه ، وما يتعلق به العقاب [ ص: 1680 ] يقال فيه إن الله أراده وشاءه ولا يقال أحبه ورضيه بل يقال كرهه ونهى عنه ، ومعنى ذلك أنه لا يثيب عليه لا أنه يقع عليه قهرا كسائر مكروهات العباد فإن العبد يقع عليه المكروه عليه قهرا ولو قدر على دفعه دفعه ، والله يتعالى عن هذا المعنى ، وهذا مذهب كثير من السلف ، قال قتادة : والله ما رضي الله لعبد ضلالة ولا أمره بها ولا دعاه إليها ، وقال ابن عباس والسدي وجماعة : إن الله يرضى الكفر للكافرين كما يرضى الإيمان للمؤمنين اهـ . والحق أن الخلاف لفظي والله تعالى أعلم ( اللهم هون علينا سفرنا ) مفعول لهون أو ظرفه والمفعول مقدر أي : يسر أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا في سفرنا ( هذا ) أي : بالخصوص لأن الصوفي ابن الوقت ، ويمكن أن تكون الإشارة في الظاهر إلى السفر الظاهري وفي الباطن إيماء إلى السير الباطن كما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10358902كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وأشار الشاطبي بقوله : قريبا غريبا ، وفي كلام الصوفية يعبرون عنها بكائن بائن وعرش فرش ولاهوتي ناسوتي ( واطو لنا بعده ) أمر من الطي أي : قرب لنا بعد هذا السفر واجعل هذا السفر مقضي الوطر ، وفيه رمز إلى طي المكان والزمان واللسان على مصطلح أهل العرفان قال ابن حجر ، اطو لنا بعده حقيقة إذ ورد أن لله ملائكة يطوون الأرض للمسافر كما تطوى القراطيس ، أو المراد : خفف علينا مشاقه ( اللهم أنت الصاحب في السفر ) أي : المحافظ والمعين ، والصاحب في الأصل الملازم ، والمراد مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ والرعاية ، فنبه بهذا القول على الاعتماد عليه والاكتفاء به عن كل مصاحب سواه ، وقد ورد في الحديث القدسي : أنا يدك اللازم فلازم يدك ( والخليفة في الأهل ) الخليفة من يقوم مقام أحد في إصلاح أمره ، قال التوربشتي : المعنى أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في سفري بأن يكون معيني وحافظي ، وفي غيبتي عن أهلي أن تلم شعثهم وتداوي سقمهم وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10360677اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ) بفتح الواو وسكون العين أي : مشقته وشدته ( وكآبة المنظر ) بالمد أي : سوء الحال وتغير النفس في النهاية لكآبة تغير النفس بالانكسار عند النظر إليه ، والمنظر بفتح الظاء في الأصول المصححة وهو مصدر أي : من تغير الوجه بنحو مرض والنفس بالانكسار مما يعرض لها فيما يحبه مما يورث الهم والحزن ، وأما قول ابن حجر : والمنظر بكسر الظاء ما نظرت إليه فأعجبك ، ويصح إرادته هنا فغير صحيح لمخالفته الرواية والدراية ، مع أن صاحب القاموس ذكر أن المنظر والمنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك فلم يقيده بالكسر في اللفظ وعمم في المعنى والله تعالى أعلم ( وسوء المنقلب ) بفتح اللام مصدر ميمي أي : من سوء الرجوع بأن يصيبنا حزن أو مرض ( في المال والأهل ) مثل أن يعود غير مقضي الحاجة أو لنائبة أصابته في النفس كمرض أو المال كسرقة كله أو بعضه ، والأهل أي : الزوجة والخدم والأقارب كمرض أحدهم أو فقده ، وفي الفائق : كآبة المنقلب أن ينقلب إلى وطنه فيلقى ما يكتئب منه من أمر أصابه في سفره أو فيما يقدم عليه ( وإذا رجع ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفره ( قالهن ) أي : الكلمات والجمل المذكورات وهي : اللهم إنا نسألك إلخ ( وزاد فيهن ) أي : في جملتهن بأن قال بعدهن ( آئبون ) همزة ممدودة بعدها همزة مكسورة ، اسم فعل من آب يئوب إذا رجع أي : راجعون من السفر بالسلامة إلى أوطاننا ، أو من الغيبة إلى الحضور ، أو من الغفلة إلى الذكر ( تائبون ) أي : من المعصية إلى الطاعة ، والظاهر أن التقدير نحن آئبون تائبون على وجه الإخبار تحدثا بنعمة الله وقصد الثبات على طاعة الله ، وأما قول ابن حجر إنه خبر بمعنى الدعاء فغير صحيح خصوصا بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - وأكثر أصحابه في تائبون وكذا في قوله : ( عابدون ) وقوله : وكذا عابدون أي : وفقنا في رجوعنا هذا للعبادة - تكلف بل تعسف وكذا في قوله لربنا حامدون وسيأتي الكلام عليه ( لربنا ) متعلق بما قبله وهو عابدون أو بما بعده وهو ( حامدون ) ويحتمل التنازع أي : مخلصون العبادة لربنا شاكرون له على هذه النعم وغيرها ، قال الطيبي : لربنا يجوز أن يتعلق بقوله عابدون لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص أي : نحمد ربنا لا نحمد غيره وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء اهـ . وأغرب ابن حجر وناقض كلامه الأول فيما سبق أنه خبر بمعنى الدعاء بقوله : هنا لربنا لا غيره حامدون مبتدأ مؤخر فهو خبر بمعنى إنشاء الثناء على الله وحده اهـ . وفيه خطر آخر لأن حامدون ليس مبتدأ خبره لربنا مقدم عليه كما توهم لعدم صحة الحمل مع أن صريح كلامه من قوله لربنا لا لغيره رد عليه ، والصواب أن ( تائبون ) وما بعدها أخبار لمبتدأ مقدر وهو نحن بحذف العاطف نحو قوله تعالي : وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد وهذه اللام نظيرها إلا أنها قدمت في الحديث لإفادة الحصر وأخرت في الآية لمراعاة الفواصل - والعلم عند الله تعالى - وأعجب من هذا قوله : وما قررته في لربنا أولى وأظهر من تعليق بعابدون لأن خاتمة الدعاء بالحمد سنة مؤكدة وتعليقه بعابدون بعيد عن السياق اهـ . ووجه التعجب أن هذا الذكر قرره هو بعينه قول الطيبي فالعجب أنه ذهب إلى مذهب ما حصل فيه إلا التعب ( رواه مسلم ) . [ ص: 1681 ]