صفحة جزء
2460 - ( وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ) . رواه مسلم .


2460 - ( وعن زيد بن أرقم قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز ) أي : عدم القدرة على الطاعة وعدم القوة على العبادة ( والكسل ) أي : التثاقل عن الخير ( والجبن ) أي : عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان ( والبخل ) أي : الإمساك عن صرف المال في مرضاة المولى ( والهرم ) أي : الخرق أرذل العمر كي لا يعلم بعد علم شيئا ( وعذاب القبر ) من الضيق والظلمة والوحشة وضرب المقمعة ولدغ العقرب والحية وأمثالها ، أو مما يوجب عذابه من النميمة وعدم التطهير ونحوها ( اللهم آت ) أي : أعط ( نفسي تقواها ) أي : صيانتها عن المحظورات ، قال الطيبي : ينبغي أن تفسر التقوى بما يقابل الفجور في قوله " فألهمها فجورها وتقواها " وهي الاحتراز عن متابعة الهوى وارتكاب الفجور والفواحش لأن الحديث كالتفسير والبيان للآية فدل قوله آت على أن الإلهام في الآية هو خلق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات وقوله : ( وزكها أنت خير من زكاها ) دل على أن إسناد التزكية إلى النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل له كما زعمت المعتزلة لأن الخيرية تقتضي المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه ، وأما قول ابن حجر : ولا يلزم من مقابلة التقوى للفجور قصرها على ضد الفجور خلافا لمن توهمه ، فمكابرة صريحة لأن المقابلة صريحة ( أنت وليها ) أي : ناصرها هذا راجع إلى قوله ( آت نفسي تقواها ) كأنه يقول انصرها على فعل ما يكون سببا لرضاه عنها لأنك ناصرها ( ومولاها ) هذا راجع إلى قوله زكها يعني : طهرها بتأديبك إياها كما يؤدب المولى عبيده ، وقال الطيبي : أنت وليها ومولاها استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى وتحصيل التزكية فيها إنما كان لأنه هو متولي أمورها ومالكها ، فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهر ما كان مكمنا في الباطن ، وإن حملت على الإنماء والإعلاء بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية لأن المتقي - شرعا - من اجتنب النواهي وأتى بالأوامر ، وعن بعض العارفين ، تقوى البدن الكف عما لا يتيقن حله ، وتقوى القلب عما سوى الله في الدارين وعدم الالتفات إلى غيره سبحانه ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ) قال الطيبي : أي علم لا أعمل به ولا أعلم الناس ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال ، أو علم لا يحتاج إليه في الدين أو لا يرد في تعلمه إذن شرعي ، وقال الغزالي : العلم لا يذم لذاته لأنه من صفات الله تعالى بل لأسباب ثلاثة إما لكونه وسيلة إلى إيصال الضرر إليه أو الشر إلى غيره كعلم السحر والطلسمات فإنهما لا يصلحان إلا للإضرار بالخلق والوسيلة للشر ، وإما لكونه مضرا لصاحبه في ظاهر الأمر كعلم النجوم فإنه كله مضر وأقل مضاره أنه مشروع فيما لا يعني ، وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة غاية الخسران ، وإما لكونه دقيقا لا يستقل به الخائض فيه كالتعليق بدقيق العلوم قبل جليلها وكالباحث عن الأسرار الإلهية إذ تطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها ولم يستقلوا بها ولا يستقل بها والوقوف على طرف بعضها إلا الأنبياء والأولياء فيجب كف الناس عن البحث عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع اهـ . وبه يعلم فساد قول ابن حجر : لا يحيط بها إلا نبي أو ولي فإن الإحاطة صفة خاصة لله تعالى ، ولذا قال الإمام : لجلالة المقام لا يستقل بها والوقوف على طرف بعضها إلا الأنبياء والأولياء - عليهم الصلاة والسلام - ( ومن قلب لا يخشع ) أي : لا يسكن ولا يطمئن بذكر الله ( ومن نفس لا تشبع ) بما آتاها الله ولا تقنع بما رزقه الله ولا تفتر عن جمع المال لما فيها من شدة الحرص ، أو من نفس تأكل كثيرا ، قال ابن الملك : أي حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب ، وقيل على حقيقته إما لشدة حرصه على الدنيا لا يقدر أن يأكل قدر ما يشبع جوعته ، وإما استيلاء الجوع البقري عليه وهو جوع الأعضاء مع شبع المعدة عكس الشهوة الكلبية ( ومن دعوة لا يستجاب لها ) قال الطيبي : الضمير في لها عائد إلى الدعوة واللام زائدة وفي جامع الأصول : ودعوة لا يستجاب اهـ . وفي رواية ومن دعاء لا يسمع ، وفي أخرى ومن هؤلاء الأربع ودل الحديث على أن السجع إذا كان على وفق الطبع من غير تكلف فلا منع ( رواه مسلم ) وكذا الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة .

[ ص: 1707 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية