صفحة جزء
2569 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : طاف في حجة الوداع على بعير ، يستلم الركن بمحجن . متفق عليه .


2569 - ( وعن ابن عباس قال : طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على بعير ) : وهذا في طواف الإفاضة إما لخصوصية ، أو لعذرية ، فإن المشي في الطواف عندنا واجب ، وقال الطيبي - رحمه الله : إنما طاف راكبا مع أن المشي أفضل ، ليراه الناس كلهم ، وذلك لازدحامهم وكثرتهم .

( يستلم الركن بمحجن ) : أي : يشير إليه بعصا معوجة الرأس كالصولجان ، والميم زائدة على ما ذكره الطيبي ( متفق عليه ) .

[ ص: 1786 ] قال ابن الهمام - رحمه الله : أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس أن النبي طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ، لأن يراه الناس ، وليشرف ، وليسألوه ، فإن الناس غشوه .

وأخرجه البخاري ، عن جابر إلى قوله : " لأن يراه الناس " ورواه مسلم ، عن أبي الطفيل : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن، وهنا إشكال حديثي ، وهو أن الثابت بلا شبهة أنه رمل في حجة الوداع في غير موضع ، ومن ذلك حديث جابر الطويل ، فارجع إليه ، وهذا ينافي طوافه على الراحلة ، فإن أجيب بحمل حديث الراحلة على العمرة دفعه حديث عائشة في مسلم ( طاف - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن كراهية أن ينصرف الناس عنه ) ومرجع الضمير فيه أنه احتمل كونه للركن ، يعني أنه لو طاف ماشيا لانصرف الناس عن الحجر كلما مر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توقيرا له أن يزاحم ، لكنه يحتمل كون مرجعه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني لو لم يركب لانصرف الناس عنه ؛ لأن كل من رام الوصول إليه لسؤال ، أو لرؤية ، أو لاقتداء لا يقدر لكثرة الخلق حوله ، فينصرف من غير تحصيل حاجته ، فيجب الحمل عليه لموافقة هذا الاحتمال حديث ابن عباس - رضي الله عنه - فيحصل اجتماع الحديثين دون تعارضهما .

والجواب : أن في الحج للآفاقي طوفة ، فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ، ومشيه كان طواف القدوم ، وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل ؛ لأنه حكي في طوافه الذي بدأ به أول دخول مكة ، كما يفيده سوقه للناظر فيه .

فإن قلت : فهل يجمع بين ما عن ابن عباس ، وعائشة - رضي الله عنها - أنه إنما طاف راكبا ليشرف ، ويراه الناس ، فيسألونه ، وبين ما عن سعيد بن جبير أنه إنما طاف كذلك ؛ لأنه كان يشتكي ، كما قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة ، عن حماد بن أبي سليمان ، أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة ، فجعل حماد يصعد الصفا ، وعكرمة لا يصعدها ، فقال حماد : يا عبد الله ، ألا تصعد الصفا والمروة ؟ فقال : هكذا كان طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم : قال حماد - رحمه الله : فلقيت سعيد بن جبير ، فذكرت له ذلك ، فقال : إنما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته ، وهو شاك يستلم الأركان بمحجن ، فطاف بين الصفا والمروة على راحلته ، فمن أحل ذلك لم يصعد . اهـ .

فالجواب : نعم ؛ بأن يحمل ذلك على أنه كان في العمرة ، فإن قلت : قد ثبت في مسلم ، عن ابن عباس إنما سعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورمل بالبيت ؟ ليري المشركين قوته ، وهذا لازم أن يكون في العمرة إذ لا مشرك في حجة الوداع بمكة ، فالجواب : يحمل كل منهما على عمرة غير الأخرى ، والمناسب لحديث ابن عباس كونه في عمرة القضاء ; لأن الإرادة تفيده ، فليكن ذلك الركوب للشكاية في غيرها ، وهي عمرة الجعرانة اهـ .

ولا مانع من الجمع بين العلل ، لركوبه - صلى الله عليه وسلم - أو نقول : حمل المطلع على الشكاية ركوبه لعذر المرض ، وغير المطلع حمله على ما رأى من رأيه ، وهذا عندي هو الجواب ، والله تعالى أعلم بالصواب .

وقد أبعد من حمل ركوبه على أن لا ينصرف الناس عن الركن ، فإن مثل هذه العلة لا تصلح أن تكون مانعة عن الأمر الأفضل ، فضلا عن الواجب ، فتأمل ، واختر أحسن العلل لئلا تقع في الزلل ، والخطل .

ثم رأيت الجمع الذي اختاره ابن الهمام - رحمه الله - غير منطبق على ما في ظاهر الحديث الآتي عند ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فهلوا بالبيت ، وحمله على فعل الصحابة دون فعله في غاية من البعد ، والله تعالى أعلم .

ثم من الغريب قول ابن حجر : طاف - عليه الصلاة والسلام - راكبا ، فلم يكن يمس بما في يده الحجر ، بل ما فوقه من الركن المحاذي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته ، ووجه غرابته أن الراكب يتمكن من إشارة يده إلى محاذاة الركن حقيقة ، فما الحاجة إلى ارتكاب المجاز في صنعته ؟ وكأنه توهم أنه من قبيل استقبال الكعبة من فوق جبل أبي قبيس ، ونحوه ، والفرق ظاهر كما لا يخفى .

[ ص: 1787 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية