قال ابن الهمام ، قال في الإمام : وهو موضع بين مكة ومنى ، وهو إلى منى أقرب ، وهذا لا تحديد فيه أي : لا تحقيق له ، وقال غيره : هو فناء مكة وحده ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعدا في الشق الأيسر ، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا من بطن الوادي ، وليست المقبرة من المحصب ، ويسمى أيضا خيف بني كنانة ، وأصل الخيف معناه سفح الجبل مطلقا . ( ثم ركب ) : أي : من المحصب متوجها ( إلى البيت ، فطاف به ) : أي : طواف الوداع يحتمل راكبا وماشيا ( رواه البخاري ) .
قال الطيبي - رحمه الله : التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع ; ينزل بالشعب الذي يخرج به إلى الأبطح ، ويرقد فيه ساعة من الليل ، ثم يدخل مكة ، وكان ابن عمر يراه سنة ، وهو الأصح . قال ابن الهمام : يحترز به عن قول من قال : لم يكن قصدا ، فلا يكون سنة لما أخرج البخاري ، عن ابن عباس قال : ليس التحصيب بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج مسلم ، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ، ولكن جئت ، وضربت قبته فجاء فنزل ، ووجه المختار ما أخرجه الجماعة من أسامة بن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله ، أين تنزل غدا في حجتك ؟ فقال : " هل ترك لنا عقيل منزلا " ثم قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10361178نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر " يعني : المحصب ، الحديث .
فثبت بهذا أنه نواه قصدا ليرى لطف صنع الله به ، وليتذكر فيه نعمه - سبحانه - عليه عند مقايسته نزوله به الآن إلى حاله قبل ذلك ، أعني حال انحصاره من الكفار في ذات الله - تعالى ، وهذا أمر يرجع إلى معنى العبادة ، ثم هذه النعمة التي شملته - عليه الصلاة والسلام - من النصر ، والاقتدار على إقامة التوحيد ، وتقرير قواعد الوضع الإلهي الذي دعا الله - تعالى - إليه عباده ; لينتفعوا به في دنياهم ، ومعادهم ، لا شك في أنها النعمة العظمى على أمته ، لأنهم مظاهر المقصود من ذلك المؤيد ، وكل واحد منهم جدير بتفكرها ، والشكر التام عليها ؛ لأنه عليه أيضا ، فكان سنة في حقهم ; لأن معنى العبادة في هذا يتحقق في حقهم أيضا ، وعن هذا حصب الخلفاء الراشدون . أخرج مسلم ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يعرفون الأبطح ، وأخرج عنه أيضا أنه كان يرى التحصيب سنة ، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالمحصب ، قال نافع : قد حصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده اهـ . وعلى هذا الوجه لا يكون كالرمل ، ولا على الأول ؛ لأن الإراءة لم يلزم أن يراد بها إراءة المشركين ، ولم يكن بمكة مشرك عام حجة الوداع ، بل المراد المسلمين الذين كان لهم علم بالحال الأول .