صفحة جزء
2680 - وعن يعلى بن أمية - رضي الله عنهما - قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة ، إذ جاءه رجل أعرابي عليه جبة ، وهو متضمخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله ، إني أحرمت بالعمرة ، وهذه علي . فقال : " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " . متفق عليه .


2680 - ( وعن يعلى بن أمية قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة ) : بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء على الصحيح ، موضع معروف من حدود الحرم ، أحرم منه النبي - صلى الله عليه وسلم - للعمرة ، وهو أفضل من التنعيم عند الشافعية خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله ، بناء على أن الدليل القولي أقوى عنده ، لأن القول لا يصدر إلا عن قصده ، والفعل يحتمل أن يكون اتفاقيا لا قصديا ، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - أن تعتمر من التنعيم ، وهو أقرب المواضع من الحرم . ( إذ جاءه رجل أعرابي ) : منسوب إلى الأعراب ، وهم سكان البادية ، أي بدوي ( عليه جبة ) : ثوب معروف ومنه قولهم : جبة البرد ، جنة البرد . ( وهو ) : أي الرجل ( متمضح بالخلوق ) بفتح الخاء المعجمة ، نوع من الطيب يتخذ من الزعفران وغيره حتى كاد يتقاطر الطيب من بدنه ، ( فقال : يا رسول الله ، إني أحرمت بالعمرة وهذه ) : أي : الجبة ( علي . فقال : " أما الطيب الذي بك ) : أي : لصق ببدنك من الجبة ( فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ) : بكسر الزاي أي : اقلعها فورا وأخرجها ، ذكر الثلاث إنما هو لتوقف إزالة الخلوق عليها غالبا ، وإلا فالواجب إزالة العين بأي وجه كان ، وأغرب ابن حجر في قوله : يؤخذ منه أن من تطيب أو لبس جاهلا فدية عليه ، إذ لا دلالة عليه لا نفيا ولا إثباتا ، وإنما يفهم من دليل آخر فتدبر ، ثم في قوله - عليه الصلاة والسلام : " فانزعها " رد لقول الشعبي أن من أحرم في قميص أو جبة مزق عليه ، وأما اعتذار ابن حجر - رحمه الله - بأنه إنما قال ذلك في المتعمد لتعديه ، والذي في الخبر في جاهل معذور فلا يصح ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ( ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك ) وفي نسخة بالتاء أي اجتنب في العمرة ما تجتنب منه في الحج ، أو افعل الطواف والسعي والحلق ، وبالجملة الأفعال المشتركة بين الحج والعمرة على الوجه الذي تفعلها في الحج ، وفي الحديث إشعار بأن الرجل كان عالما بصفة الحج دون العمرة ، كما ذكره الطيبي - رحمه الله - والظاهر هو الأول من القولين والمراد بالتشبيه زيادة الإفادة ، وأن يجتنب في إحرام الحج ما يجتنب في العمرة ، لأن التشبيه قد يكون لمجرد الاشتراك من غير أن يكون المشبه به أقوى إذا كان معلوما عند المخاطب ، ومنه عبارة بعضهم : يغسل فمه بمياه كأنفه ( متفق عليه ) وأما الاكتحال بما ليس فيه طيب ; فإن كان للزينة فمكروه ومنعه أحمد وإسحاق ، وفي مذهب مالك قولان ، ثم اعلم أن محرمات الإحرام إذا ارتكبت عمدا يجب فيها الفدية إجماعا ، وإن كان ناسيا فلا يلزمه عند الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق - رحمهم الله - وأوجبها أبو حنيفة ومالك - رحمهم الله - ومن تبعهما .

[ ص: 1849 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية