صفحة جزء
230 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى له من سامع " رواه الترمذي ، وابن ماجه .


230 - ( وعن ابن مسعود ) : لم يقل وعنه لئلا يتوهم رجوع الضمير إلى زيد ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ) : حال ، وقيل : مفعول ثان ( نضر الله ) أي : نور ( امرأ ) أي : شخصا ( سمع منا شيئا ) : يعم الأقوال والأفعال الصادرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم يدل عليه صيغة الجمع في منا قاله الطيبي . وقال ابن حجر قوله : منا يحتمل أنه للجماعة فيشمل من سمع من الصحابة شيئا من الأقوال ، وقول شارح : المراد من " شيئا " عموم الأقوال والأفعال الصادرة منه عليه الصلاة والسلام وأصحابه غفلة عن كونه معمولا لسمع الذي لا يكون إلا في القول . أقول : لما قيل بعموم " منا " ، وقد يسمع من الصحابي أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ، كذا صح أن يتعلق السمع بالفعل بهذا المعنى ، مع أن المراد بالسمع هو العلم الذي يشمل القول والفعل والشمائل أيضا ، وإنما خص السمع بالذكر لأن مدار العلم عليه غالبا ( فبلغه ) بالتشديد أي : نقل الشيء المسموع للناس ( كما سمعه ) ، قال الأبهري : إما حال من فاعل بلغه أو من مفعوله ، وإما مفعول مطلق ، وما : موصولة أو مصدرية خص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء ، لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله ، وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلابه حيث خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعاء لم يشرك فيه أحد من الأمة ، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه - فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وإنما وجد في الدارين حظا وقسما . وقال محيي السنة : اختلف في نقل الحديث بالمعنى ، وإلى جوازه ذهب الحسن والشعبي والنخعي ، وقال مجاهد : نقص من الحديث ما شئت ولا تزد : وقال سفيان : إن قلت حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى ، وقال وكيع : إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس ، وقال أيوب ، عن ابن سيرين : كنت أسمع الحديث عن عشرة واللفظ مختلف والمعنى واحد ، وذهب قوم إلى اتباع اللفظ ، منهم ابن عمر ، وهو قول القاسم بن محمد ، وابن سيرين ، ومالك بن أنس ، وابن عيينة ، وقال محيي السنة : الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء ، وجائزة عند الأكثرين ، والأولى اجتنابها . قلت : إلا عند نسيان اللفظ . ( فرب مبلغ ) : بفتح اللام المشددة أي منقول إليه وموصول لديه ( أوعى له ) أي : أحفظ للحديث وأضبط وأفهم وأتقن له ( من سامع ) أي : ممن سمع أولا وبلغه ثانيا ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ) . أي : عن ابن مسعود ، وكذا رواه أحمد ، وابن حبان على ما في الجامع الصغير ، وروى الترمذي والضياء عن زيد بن ثابت ولفظه : " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه " . وفي اختلاف ألفاظ هذا الحديث دليل على جواز رواية الحديث بالمعنى ، لأن الظاهر أن الخلاف اللفظي إنما نشأ عن الرواة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية